الثورة – هفاف ميهوب:
من المعروف عن الشّعر الفلسطيني، اتّقاد نبضه وهدير غضبه.. غضب القصيدة المقاتلة، التي تحوّلت إلى رصاصٍ يؤرّق ضمير العالم، مثلما حياة ووجود المحتل الإسرائيلي..
نعم، هذا ما فعلته القصيدة المقاتلة بعدوّ قضيّتها، ودون أن تكتفي بتحدّيه ومقاومته، بل قامت أيضاً بالتصدّي له ومواجهته، وبالطريقة ذاتها التي واجهته بها قصيدة الشاعر المقاوم “صلاح أبو لاوي”:
“إذا هدموا منزلاً/.. قالت امرأةٌ من حديدٍ ومعنى: “سنبني منازلْ”/.. وإنْ قتلوا رجلاً، طفلة، أو رضيعاً/.. فنحن البطونُ الحواملْ..
وإن سملتْ طائرات المغول عيون المكان/.. فنحن عيون المقاتلْ/.. وإن خذلتنا العواصمُ/.. نحن الزنودُ العواصمْ..
ستبقى فلسطين عالية بالشهيد/.. ونبقى إلى آخر الأرض أهزوجة للحياةِ/.. وإن الحياة الرصاصُ المقاومْ”..
إنها المواجهة التي رأيناها لدى غالبية شعراء المقاومة الفلسطينية، ممن أقسموا بألا يكون إبداعهم، إلا في خدمة وطنهم والقضية.. قضية فلسطين التي جعلت شاعرها، الكاتب والروائي “أحمد أبو سليم” يدعو أبناء وطنه في “غزة”، وممن تستهدفهم اليوم، كما استهدفتهم بالأمس، والأمس القديم، كافة أسلحة الإجرام الاسرائيلية:
“لا تَغسِلوا أَمواتَكم بالماءِ/.. قد غسل الرَّصاصُ ذُنوبَهم/.. لا تُشعِلوا في ليلهم ناراً تدفِّىءُ بردَهم/.. فالشّمس تشرقُ فوق غزَّة/ كلَّ يومٍ مرّتين/.. لا تَحفروا أَصواتكم فوق الشَّواهد/.. فالصَّمت أَبلغُ في المقابر/.. من مقامات الحنينْ”..
ما أوجع هذه الكلمات، وما أشد لهيب تأثيرها.. لا الموتُ يخيفها، ولا شتى أنواع التعذيب التي يتعرّض لها إنسانها.. الفلسطيني ولا سيما ابن غزّة، الذي لم يزده إجرام عدوّه ومحتل أرضه، إلا غضباً واكبته القصيدة.. لم يزده إلا حياة خلّدتها، فالموت لا ينتهي، ولكلّ مقاتلٍ صاحب، ظلّ قرينٍ واحدٍ، ولابن غزّة في الحروب، ألف قرين بشريّ مقاتل، وصرخات قصائد تتحدّى وتواجه فيعلو صوت غضبها، مواجهاً وصارخاً بوجه عدوّها ومغتصب حقّها:
“في الموتِ موتٌ لا يموتُ/.. كأنّما/.. للمرءِ يولدُ صاحبٌ/.. ظلٌّ قرينٌ واحدٌ/.. أَمّا بغزَّة للقرينِ مقاتلٌ/.. بشرٌ ولكنْ في الحُروبِ/.. بأَلفِ أَلفِ مقاتلٍ/..
نحنُ الأوائلُ/.. لا نَموت/.. دماؤنا نهرٌ يهرولُ صاعداً/.. مثلَ الصِّراطِ المستقيمْ/.. نحنُ اليقينْ..
نحنُ الأوائل/.. يوم كان الله يعجنُ/.. من ملامحِ كلِّ طين صورة لسلالةٍ/.. من لحمنا/.. عُجنت بلادٌ سمِّيتْ: “فلسطينْ”…