حسين صقر
من منا لم تعد به الذكريات، سواء في لحظات الشقاء أم في ساعات النعيم ليقارن هذا بذاك، ولو كان يعيش أجمل أيامه، فيقول “سقالله أيام زمان”.
فغالباً ما يكون العيش في الماضي أو الحنين إليه جرعة أمل بأن ما مضى يمكن أن يعود رغم قساوة الظروف والأمل الذي يتبدد يوماً بعد آخر نتيجة الحروب الإرهابية والمصطنعة والكوارث الطبيعية.
النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي، يكون في أوقات كثيرة جرعة الأمل تلك، وأحياناً أخرى كأس الحسرة التي نتجرعه عندما نقارن أيام خلت بأخرى نعيشها أو العكس، ويكون هذا الحنين حالة طبيعية، وسرعان ما يتحول إلى أخرى مرضية تجعلنا سجناء ذلك الماضي، ولا نستطيع الخروج منه.
والنوستالجيا في علم النفس قد ترتبط بخسارة تسبب لنا انزعاجاً كبيراً أو شعوراً جيداً، لكن يتخلله شعور بالألم في تذكر أنه لم يعد موجوداً مرة أخرى في حياتنا، كما أن النوستالجيا أو “الحنين” أو الرجوع إلى الماضي والألم هو شعور يغزو عقولنا عندما نفكر في الأيام الخوالي.
اضطراب عقلي
وتقول الاختصاصية النفسية غزل أبو حامد في هذا الإطار خلال اتصال لـ ” الثورة” معها: إن النوستالجيا اضطراب عقلي، لكن اليوم، تغيرت الفكرة حول هذا المفهوم، ولقد أصبح يُنظر إليه بإيجابية أكثر، فهو يُساعد الشخص على تذكر الذكريات الجميلة التي حدثت له في الماضي، ويَشعر بالحنين إليها كثيراً، موضحة أنه لهذا السبب ارتبطت بها الأدبيات الرومانسية، لكونها عملية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة والتخلص من المواقف والذكريات السلبية، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة 80% من الناس يشعرون بالنوستالجيا مرة على الأقل أسبوعياً.
وأضافت أبو حامد أن لهذا المصطلح أنواع يتضمن عدة أنواع: النوستالجيا المتصالحة، وهي النوع الذي يحاول فيه الشخص إعادة بناء أو استعادة الطريقة التي كانت عليها الأشياء في الماضي، و المنعكسة: وهي حالة الانعكاس إلى مشاعر الشوق والحنين مع قبول أن الماضي كما هو دون تغيير، منوهة أن علماء النفس يعزون بأن النوستولوجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، وتكثر بحالات الشعور بالملل أو الشعور بالوحدة خاصة عند كبار السن، أي عند شعور الإنسان بأن حياته فقدت قيمتها، فيقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي واللحظات السعيدة والدافئة، فتبعث في نفسه تلك الذكريات دفعة من الأمل والشعور بالسعادة، الأمر الذي يساعده على الاستمرار في حياته، وبهذا تكون النوستالجيا أحد السبل الناجحة التي تحد من الاكتئاب بشكل مؤقت، فيشعر الشخص بأنّ حياته البائسة كانت ذات قيمة يوماً ما.
كما أشارت أبو حامد إلى وجود علاقة وثيقة بين انخفاض الثقة بالنفس والشعور بالوحدة، بمعنى أن الأشخاص الذين ينخفض لديهم مستوى الثقة بالنفس، يُعانون من حالة الوحدة في بعض الأحيان، لكن قد يُخفف وطأة هذا الأمر أنّ الشعور بالوحدة يدفع المرء إلى العودة إلى اللحظات السعيدة في الماضي، وهذا بدوره يساهم في تعزيز الثقة الاجتماعية لدى الشخص منهم مهما بلغت وحدته.
بعض الإيجابيات
وأضافت الاختصاصية النفسية أن إيجابيات النوستالجيا ومنعكساتها على الصحة النفسية كثيرة، ومنها: منحنا دفعة نحو المستقبل، حيث تُحسِن من حالتنا النفسية، وعندما يشعر الإنسان براحة نفسية يعمل ذلك على رفع مستوى كفاءته في العمل والنجاح في مسيرته، وتتعزز علاقاته الاجتماعية، كما تزيد من رغبته في التواصل الاجتماعي، خصوصاً مع الأشخاص الذين يرتبط الماضي بهم كالأهل وأصدقاء الطفولة.
وقالت: بذلك نستطيع اعتبارها حالة نافعة لكونها تعزز السلام الداخلي و تجعل الأشخاص أكثر انسجاماً مع الحياة، وأكثر تفاعلاً وتقبلاً للتكيف مع تقلباتها، كما تدفع لخوض تجارب جديدة.
ورداً على سؤال متى تصبح النوستالجيا حالة مرضية؟ أجابت أبو حامد، لا شك أن الحنين إلى الماضي بتفاصيله شيء جميل ويمدنا بسعادة وراحة، ولكن تكمن الخطورة عند الرغبة في إدمان استرجاع اللحظات المعاشة سابقاً، وفي المبالغة باللجوء إلى الحيل الدفاعية النفسية مثل النكوص “ممارسة سلوكيات لا تتناسب مع العمر”، و”أحلام اليقظة”، و”الإنكار لحقائق الواقع”، فهذا هو الخطر الوحيد وراء النوستالجيا، والذي يكمن عندما نتوقف عندها أو عندما نفهمها بطريقة غير صحيحة، ولا نرغب في تخطيها أو تركها وإعاقة حياتنا الواقعية والمستقبلية.
