الثورة- حسين صقر:
مشهدان متناقضان لفتا انتباهي وأثارا استغرابي وأنا قادم إلى عملي، الأول :لإمراة بالغة وتتمتع بصحة جيدة، تحمل كيساً صغيراً وتتنقل بين السيارات والسرافيس لتسأل أصحابهم والركاب والمارة عن عطاء أو إعانة.
والثاني: لطفلين كلّ منهما بعمرالعشر سنوات، و يحملان أكياساً، ولكن مملوءة بعلب المحارم لبيع هؤلاء المارة ومن هم في تلك السيارات وحافلات النقل.
فالتسول والتشرد وعمالة الأطفال، ظواهر اجتماعية، غالباً ما ترتبط ببعضها البعض، لكنّها ليست متطابقة بالتفاصيل.
ولكون الحديث عن ذلك المشهدين، فيمكن الحديث عن التسول وعمالة الأطفال، حيث التسول وكلنا يعلم، هو طلب المال أو المساعدة من الآخرين، وغالباً ما يتم في الأماكن العامة، وله مؤشر سلبي يدل على ظروف معينة ولكن ليست مبررة إلا بحالات قاسية جداً، كأن يكون المتسول وكي لانغالي عاجزاً بالفعل، وليس له أحد، وليس هناك أي جهة ترعاه سواء خيرية أم حكومية أم دولية وغير ذلك.
ببنما عمالة الأطفال، ورغم خطورتها على فاعلها، وتعرضه في بعض الأحيان، للابتزازوالخطف والاغتصاب والاستغلال، وتلك أموربالفعل خطيرة، ويجب الانتباه لها من أجل منعها، لكن مجرد السعي للعمل، فذلك يحمل في طياته بعداً إنسانياً يدل على رغبة ذلك الطفل بكسب عيشه بتعبه وبعرقه، ومن الضروري حمايته إذا اقتضى الأمر لعدم وقوعه في فخ تلك المشكلات.
الأعمال كثيرة
ففي القصة الأولى لتلك المرأة، نتساءل مالذي يدفعها للإقدام على التسول وهي القادرة على العمل، وأياً كان السبب وراء التسول، مادامت قادرة على كسب عيشها بتعبها، حيث الأعمال التي يمكن أن تؤديها المرأة كثيرة، بدءاً من العمل بالتجارة والبيع والشراء على بسطة أو العمل في تنظيف المنازل، أو في المكاتب، أو تعلم حرفة أو مهنة تناسب هذا الجنس، أو أي مجال آخر يكسبها تلك اللقمة، وذلك أفضل بكثير من التسول.
وفي ذلك يقول السائق محمد علوان: في ذات المكان أرى تلك المرأة وعلى هذه الإشارة، وكما ترى حتى أنها لا تغير المكان، وبات الناس يعرفونها، ومن يعطيها أول مرة، بالتأكيد لن يقدّم لها أي مساعدة في المرة الثانية، وأضاف لابدّ لأي شخص أن يبحث عن الطريق الأسلم والكسب المشروع.
بعد إنساني
أما في الحالة الثانية، وقيام الطفلين ببيع محارم الورق بهدف تأمين مصروفيهما، أو لتأمين بعض من متطلبات عائلتيهما وهما من أسرتين مختلفتين، لكن جمعتهما الظروف القاسية والحاجة، تحدث أحدهما بالعامية، و قمنا بصياغة كلماته المؤثرة تلك: “اضطريت للعمل من أجل مساعدة والدتي بتأمين حاجات المنزل، حيث توفي والدي قبل سنتين، مع ثلاثة أخوة وأخت، وأنا أكبرهم، وعمري اليوم 13 سنة، وقد غادرت المدرسة العام الماضي حتى يكمل أخوتي دراستهم، في المستقبل وأكون قادراً على إعانتهم.” وفي هذا السياق التقت صحيفة الثورة بعض الفعاليات والتي أكدت أنها أمام ظاهرتين مختلفتين في الشكل، وقد تلتقيان بالمضمون وهو الحاجة.
كلمة ثقيلة
المدرس عبد الرحمن مسلاتي قال: في حالة الطفل، تبدو كلمة ” عمل” ثقيلة إلى حدّ ما بالنسبة لي، لأنه في الحالة الطبيعية والعادية، يجب أن يكون الطفل في مدرسته يتلقى العلوم والتربية، ومن الضروري وجود جهات مسؤولة عن رعايته، والبحث عن طريقة لمساعدته وأسرته حتى تجاوزالمرحلة، حتى لو كان ذلك على شكل قروض طويلة الأجل ولاحقة الدفع، وبفوائد رمزية، وبذلك يتجاوز هؤلاء مرارة الحاجة. وأضاف مع أنني في العطل الصيفية أؤيد أن يعمل الطفل في سن مبكرة لتحمل المسؤولية عما يفعله، فكيف إذا دعت الحاجة لذلك.
وأشار أما حالة المرأة التي تتسول مصروفها، فذلك ظاهرة سلبية، ولم نعد نميزبين المحتاج من عدمه، وينبغي تحت أي ظرف من الظروف أن لاتقوم بذلك، خاصة إذا كان وضعها الصحي يسمح بالعمل.
من ناحيتها المهندسة شيرين نورالدين أكدت من المهم أن يتعلم الطفل أداء عمل معين لكن خارج أوقات الدراسة، وأثناء العطل، وتعلم مهنة أو حرفة تهدف إلى العيش وفقاً لقواعد صحيحة.
وأضافت تنتشر ظاهرة تشغيل الأطفال بشكل كبير ،حيث يوجد العديد من العوامل التي تدفع الأطفال للعمل من بينها ،العامل الاجتماعي المتمثل في الفقر و تدني مستوى المعيشة، و العامل التعليمي الذي يظهر من خلال انتشار الأمية و جهل الأسر بأهمية التعليم، لكن هناك ظروف لايمكن تجاوزها، ويرى الطفل نفسه مضطراً للعمل، أما موضوع التسول فذلك موضوع آخر يجب إيجاد الحلول المناسبة لمنعه.
اندماج مبكرولكن!.
وقالت المحامية لبنى حمود: مع أن عمل الطفل يساعده على الاندماج المبكر في سوق العمل، ويساهم في تحقيق نتائج ايجابية، لكنه في غير وقته استثمار خاسر على كل الأصعدة، لطالما يدفع للتشرد وقد يؤدي لمخاطر أخرى، إذ لايعقل أن يعيش هذا الطفل في الشوارع متجولاً بين السيارات، ولكن الفقر، والعنف الأسري، يدفعانه لذلك، وعندها يواجه تحديات كبيرة.
في الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى، ويكونون عرضة للخطر والأذى.
بينما في حالة المرأة وهي طلب المال أو المساعدة من الآخرين، والذي يتم في الأماكن العامة مثل الشوارع أو الأسواق أو محطات النقل، قد يكون بسبب الفقر، والحاجة إلى المال لتغطية النفقات الأساسية، أو استغلال حاجة الناس للتعاطف لتحقيق مكاسب مالية، لكن إذا كانت قادرة على العمل فذلك غير مبرر، لأن ذلك يؤدي لتشويه صورة المجتمع، وزيادة الشعور بعدم الأمان.
ضرورة وجود معالجات فاعلة
وفي هذا السياق قال الخبير في الحماية الاجتماعية وحماية الطفل ماهر رزق: بدايةً يجب التمييز بين التسول وعمل الأطفال لأن التوصيف الصحيح يساعد على إيجاد الحلول الناجعة، فالتسول اصطلاحاً هو استجداء المنفعة من العامة بأي شكل، ويدخل ضمنه الباعة الجوالون، أما عمل الأطفال فهو علاقة عمل بين صاحب عمل وطفل.
خلافاً للقوانين والاتفاقيات، فالقوانين والاتفاقيات الدولية تجيز عمل الأطفال فوق سن ١٥ لكن بشروط حمائية صارمة، وأضاف رزق إن المشكلة بالقضيتين، التسول وعمالة الأطفال غير القانونية تفتقد المعالجات الفاعلة، حيث تكتفي الجهات المسؤولة بالعقوبات في أفضل الأحوال، لكنها تفتقد التدخلات الاجتماعية تجاه الأطفال والضحايا.
وقال الخبير الاجتماعي: من أكثر الأخطاء شيوعاً في التدخلات الرسمية هي اعتبار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المسؤولة منفردة بالعلاج، على حين أن العلاج يحتاج إلى جهود متكاملة من عدة وزارات كالداخلية والعدل والتربية على مستوى التدخلات، ومن وزارات الإعلام والأوقاف والثقافة على مستوى التوعية والوقاية، وحكماً كل هذا يتطلب تعاوناً وثيقاً مع المجتمع المدني.
ونوه رزق بأن هناك غياب رؤى وخطط فاعلة وواقعية للعلاج، وإذا كانت السياسات الاجتماعية تقع على مسؤولية عدة وزارات والمجتمع المدني، إلا أن هذا لا ينفي مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن التخطيط والتنسيق لهذه السياسات وتوزيع الأدوار بين المعنيين، ولكن للأسف نشهد انحيازاً غير صحي للمنظمات والتجارب الدولية، لنكون أمام تجارب لا تناسب الواقع السوري، لأن الموضوع يحتاج الخبرة السورية، وحكماً التطعيم بالتجارب الأخرى مهم جداً لكن ليس بديلاً