فؤاد دبور – كاتب أردني:
أمام الواقع العربي المتردي والمتراجع يوماً بعد آخر، لم يبق أمام المخلصين من العرب سوى خيار المقاومة لمنع الأعداء من تنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم، وتحرير الأرض العربية المحتلة، وهذا ما أنجزته المقاومة الفلسطينية في غزة التي واجهت العدوان الصهيوني ومنعته من تحقيق أهدافه في عدوان كانون الأول 2008م، وعدوان 2012، 2014.
ثم جاء سيف القدس في أيار 2021 حيث لقنت المقاومة العدو الصهيوني درساً صعباً لا ينساه رغم الخسائر الباهظة المادية والبشرية والدعم غير المحدود الذي قدمته الإدارات الأمريكية إلى العدو الصهيوني في المجالات العسكرية والمادية والسياسية، وها هي اليوم ومنذ السابع من شرين الأول 2023 تلحق المقاومة بالعدو الصهيوني الخسائر الباهظة التي جعلته يفقد أعصابه ويرتبك ويتخبط عسكرياً وسياسياً، وجعلت حماة هذا الكيان أمريكان، فرنسيين، بريطانيين، ألمان وطليان وغيرهم يدعمونه عسكرياً وسياسياً ومادياً.
المقاومة في لبنان التي حررت معظم أرض الجنوب من الاحتلال الصهيوني ومنع الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة من تحقيق أهداف عدوان تموز عام 2006م والمتمثل بشكل خاص بتطبيق ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف تجزئة أقطار عربية عرقياً ومذهبياً وطائفياً، مثلما أنجزت المقاومة تحرير جرود عرسال من الإرهابيين، وها هي اليوم ترد على العدوان وتروِّع العدو الصهيوني وتحبط مخططاته التي تستهدف تغيير قواعد الاشتباك، وتلحق به الخسائر وتجعله يضع أكثر من ثلاث فرق على حدود فلسطين المحتلة مع لبنان تحسباً للمقاومة.
وها هي سورية اليوم تواجه وتقاوم المؤامرة الإرهابية الضالعة فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ويتم توجيه ضربات لقواعدهم على الأرض السورية ودول استعمارية غربية وتركيا والكيان الصهيوني وأنظمة عربية وعصابات إرهابية، وتحقق انتصارات كبرى في العديد من المحافظات السورية، وحالت دون تحقيق الأعداء في إسقاط الدولة السورية لأنها رفضت الانصياع للسياسات الأمريكية وواجهت المشاريع والمخططات الأمريكية الصهيونية، ودعمت المقاومة التي أفشلت كل هذه المشاريع والمخططات.
لقد شكلت المقاومة رد الفعل الطبيعي أمام هذه الهجمة الاستعمارية الإمبريالية الصهيونية الإرهابية، وهذا يجعلنا نؤكد على دور المقاومة وخيار المقاومة كطريق ووسيلة لمواجهة التحديات والعدوان والاحتلال والمخططات التي تستهدف الأمة عامة، وما يجري اليوم من إقامة علاقات سياسية وأمنية مع أنظمة عربية، ونستطيع الاستشهاد بدور المقاومة في تحرير الشعوب وبأمثلة مختارة:
– تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي
– تحرير سورية العربية من الاستعمار الفرنسي.
– تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني.
– تحرير عدد من أقطار الوطن العربي من الاستعمار البريطاني.
– تحرير فيتنام من الاحتلال الأمريكي.
– طرد الولايات المتحدة الامريكية من أفغانستان.
وهكذا، فإن العديد من شعوب العالم قد تحررت من ربقة الاستعمار وخاصة في آسيا وإفريقيا بالمقاومة والشهادة.
ولكي تكون المقاومة بمستوى المواجهة الكبرى التي تخوضها فلابد من:
1- نشر ثقافة المقاومة واعتمادها خياراً استراتيجياً، وهذا يتطلب بناء مجتمعات مقاومة، حتى تتمكن المقاومة من إنجاز مهامها وتقوم بدورها المطلوب منها بشكل تام وكامل في مواجهة أعداء أقوى عتاداً وعدة وعليه فإننا نؤكد على تحقيق المجتمع المقاوم عبر الأخذ بأسباب القوة السياسية والعسكرية والمادية والبشرية، ورفع مستوى ثقافة المقاومة ومشاركة الشعب في المقاومة، وهذا يتطلب حل مشكلاته الاجتماعية والمعيشية والتعليمية والصحية والتأكيد على التنمية في المجالات كافة ليكون محصناً وقادراً على العطاء والمقاومة والنجاح في مهماتها.
2- ويتطلب أيضاً تحصين المقاومة بقوة الإيمان بالقضية التي يناضل المقاومون من أجلها، وبعدالتها ما يعطيها القدرة على تحقيق الانتصار، كما يتوجب توفير الدعم والإمكانات والاهتمام في تحصين كل مقاوم لمنع اختراق العدو لجسد المقاومة وإفشاله في إرباكها.
3- ولابد للمقاومة من رؤية سياسية سليمة تحدد مواقفها السياسية من الوضع الدولي والإقليمي والعربي ومن خطة إستراتيجية تحدد الأهداف التي يمكن بلوغها في فترة تاريخية محددة.
إن من أهم عناصر نجاح المقاومة التفاف جموع الشعب حولها داعماً وحامياً وحارساً لها باعتبارها الطريق المؤدي إلى الدفاع عن أمن الأرض والشعب.
أي إن للبعد الثقافي المقاوم أهمية مضاعفة في وضعنا العربي الراهن الذي يحتاج فعلاً للمقاومة مثلما يحتاج لمواجهة الهجوم الشرس الذي يشنه أعداء الأمة على خيار المقاومة بهدف تشويهها وإلصاق تهمة الإرهاب بها لإفشالها عبر إبعاد الحاضنة الجماهيرية السياج الحقيقي الحامي لها، كما تقوم أجهزة الإعلام المعادية أيضاً بتشويه رموز المقاومة وقادتها مثلما تقوم أجهزة المخابرات والاستخبارات باستهدافهم عبر عمليات الاعتقال والاغتيال.
وتأتي هذه الحملة الشرسة على المقاومة وثقافتها لأنها تشكل النقيض لثقافة الاستسلام والرضوخ لسياسات وإملاءات أعداء الأمة لأنها تقوم أساساً على رفض الاحتلال والاستعمار ومقاومته مثلما تقاوم كل أشكال الظلم والتسلط والاستبداد.
نعم المقاومة خيار استراتيجي للشعوب المقهورة والمحتلة أرضها وطريق لتحقيق النصر، كما تمثل الرد الطبيعي على التطبيع والمطبعين مع العدو الصهيوني.
* أمين عام حزب البعث العربي الديمقراطي في الأردن – تحت التأسيس