الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
«سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى، فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العدى».. حمل الشاعر عبد الرحيم محمود روحه بعد أن كتب «قصيدة الشهيد»، ترك تدريس اللغة العربية والتحق بصفوف جيش الإنقاذ وصار شهيداً عام ١٩٤٧، فكتب بدمه ما خطّه قلمه، ليس الشعراء المقاومون وحدهم من يقرنون القول بالفعل، ها هم أطفال غزّة اليوم بالمئات يؤكدون أقوالهم باستشهادهم، كقصة الطفلة الفلسطينية التي تحمل أختها الرضيعة على كرسيّها الهزّاز مع أقرانها الصغيرات، تحملن الكرسي وتجبن مشفى قطاع غزّة، وتهتفن،» لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله».. والطفل محمد الذي سُئل ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر، أجاب بعد تنهيدة موجعة نحن أطفال لا نكبر، نموت باكراً فداء لفلسطين.. وحده الانتماء والتجذّر في الأرض يجعل من الشهادة ريّها الوحيد، منهج لا يسلكه إلا أقوياء النفوس لا يساومون على قضيّة وجودهم وحقهم في الحريّة والحياة. الأطفال هم الفئة المستهدفة من صواريخ العدو الغاشم التي مزقتهم وجعلتهم يفترشون ممرات المشافي ينزفون الحياة على طريقتهم، ويعيشون طقوس الحرب بأسلوب طفولي، يواجهون الموت بابتسامة عريضة، يكتبون اسمهم على أذرعهم كي يتعرّف عليهم ذووهم عند ارتقائهم، أطفال بعمر الورود يتحمّلون مآسي الحرب اليُتم الجوع العطش الخوف والقلق، يرتجفون أمام أهوال دمار أمنِهم وشتات شملهم، وبالرغم من ذلك كله يمسحون دمعهم ويرفعون إشارة النصر بأصابعهم الغضّة، يتصوّرون وهم بين الأنقاض من ثم يبتسمون، ابتسامة تغيظ العدى فتنتصر.
العدد 1165 – 31-10-2023