الثورة _ عمار النعمة:
وأنت تشاهد مايحدث في غزة من جرائم بحق الإنسانية، تعود بك الذاكرة إلى أسماء دمغت في ذاكرتنا كغسان كنفاني وناجي العلي وإبراهيم طوقان وخالد أبو خالد وغيرهم الكثير، ولاسيما حين تدرك أن الأدب على اختلاف ألوانه وأشكاله لم يكن يوماً خارج رحم الحياة، الشاعر خالد أبو خالد الذي رحل عن دنيانا منذ سنوات قليلة واحد من الشخصيات التي ناضلت ودافعت عن القضية الفلسطينية لا بل عن العدوان الظالم على سوريتنا فلافرق عنده بين سورية فلسطين، عندما حاورته في جريدة الثورة عام 1918 قال لي: إذا مت ادفنوني في دمشق، نعم، هو الكاتب والشاعر والرسام المخلص والابن البار لسورية، هو الذي اتصل في السياسة في مُنتصف الخمسينيات، وبعد العام 1960 شارك مع مجموعة من الأصدقاء بتَأْسيس حركة طلائع الثَّورة العربية التي كانت منها حركة طلائع تحرير فلسطين.. اعتُقل في الكويت عام (1966) ورحل إلى سورية، عمل في الإذاعة والتلفزيون بِدمشق، وتَوَلى مسؤولية عدَّة أَقسام، ثم بعد عدوان حزيران عام (1967) التَحق بالثَّورة الفلسطينية «حركة فتح» فدائِياً مُقاتلاً، ثم ارتقى في مُهِمَّاته حتى أَصبح نائباً لآمِرِ القِطاع الأَوسط الشمالي، وفي أَيلول (1970) أَصبح قائداً عاماً لميليشيا الثَّورة الفلسطينية في شمال الأَردن… وفي العام (1972) انتُخب عُضواً في الأمانة العامة للاتحاد العام للكُتَّاب والصحفِيين الفلَسطينيِّين في المؤتمر التَّأْسيسي، وبقي عُضواً في هذه الأمانة لدَورتَين مُتتاليتَين حتى العام (1980) حَيث انتُخبت أَميناً لسرّ الاتحاد فرع سورية.
صداقته مع عدد من الكتّاب الذين استشهد بعضهم مثل: غسان كنفاني وناجي العلي كانت كبيرة فهو الذي قال عنهم في إحدى لقاءاته كنتُ واحداً من شخصيات رواية غسان كنفاني «رجال تحت الشمس» وأحد الذين دقوا جدران الخزان بعد الرواية وقبلها، فقد التقيت غسان في الكويت في وقت مبكر من عام 1956 في النادي الثقافي القومي، وأذكر أنني لمحته حين كان يعلّق ترويسة جريدة الحائط… كانت الترويسة مرسومة «بالغواش» وكان العلم الفلسطيني أهم ما يميّزها، أعجبني الرسم وقد كنت هاوياً له… سألت الرجل الرقيق الشاحب من هو الذي رسم هذه الترويسة؟
ثم انتقلت أنا للعمل في مدينة الأحمدي وسمعت عن إعلان حول مسابقة للقصة القصيرة يقيمها النادي، وعندما صدرت النتائج فاز غسان كنفاني بالجائزة الأولى كما فاز الدكتور صباح محي الدين بالجائزة الثانية، كان عنوان قصة غسان «السرير رقم 12» وفي هذه القصة سجل غسان فاجعة موت، أما صباح محي الدين فكانت قصته بعنوان: «زعتر صفد» قُتل بعدها صباح محي الدين في حادث سير، وحتى الآن لم أقتنع أن موته كان صدفة.
بعدها تعددت لقاءاتي بغسان وحدثته عن تجربتنا في الوصول إلى الكويت ويبدو أنه قرر أن يسجل هذه التجربة فعرّفته على عدد من الأشخاص الذين وصلوا الكويت عن طريق التهريب، وهكذا كانت روايته «رجال في الشمس»، وعندما التقينا بعد أيلول 1970 في بيروت أسسنا أول لجنة تحضيرية للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وقبل انعقاد المؤتمر كنت أنا في الجزائر سمعت باستشهاد غسان إثر اغتياله مع ابنة شقيقته لميس.
غسان كنفاني كان كاتباً وصحفياً شاملاً وثابتاً على مبادئه وقيمه، ومن هنا توطدت علاقتنا به، فقد كانت تجاربنا وهمومنا وآمالنا متطابقة، وحتى رؤيتنا كانت كذلك… عدت إلى بيروت ولم يكن غسان فيها وكان هذا مفجعاً إلى حدّ كبير
أما ناجي العلي فكنت مهتماً وما أزال بالكاريكاتير منذ أن اطلعت على مجلات مصر «آخر ساعة – روز اليوسف – صباح الخير – المصور» وقد لفت نظري في روز اليوسف وصباح الخير رسام اسمه ناجي.. في تلك الفترة صدرت في الكويت عدة صحف من هذه الصحف «الطليعة» وبدأت ألاحظ أن في هذه الجريدة رساماً يوقع باسم ناجي، فتصورته الرسام المصري نفسه الذي كان يرسم في كل من صباح الخير وروز اليوسف، فقررت الذهاب إلى الطليعة التي أكتب فيها لأتعرف إليه لأن ما يرسمه يشدّ انتباهي وكان سياسياً بامتياز، خلال العدوان على سورية حاول أبو خالد أن يسهم في فضح طبيعة الأزمة وكان من الأوائل الذين ظهروا وأشاروا وقالوا: إن هذا عدوان ومَن هي أطرافه وإلى ماذا يهدف.. وقد قال هذا شفهياً وكتابة واسهم في محاولة استعادة المشهد الثقافي، وإحداث نوع من التوازن في داخله، كتب عدداً من القصائد الهامة التي تندرج ضمن إطار قصائد المرحلة، بمعنى القصائد التي تؤثر على مايجري وتحاول أن تحدث نوعاً من التوازن مع الحدث..
أنجز عملاً شعرياً بعنوان: (من كتاب الشآم) ومن كتاب الشآم هي قصيدة المرحلة ليس فيما يتعلق بسورية فقط، وإنما بالمنطقة ككل فيقول: (ليس مالنا نحارب عنه سواها الشآم الشآم الشآم…) ويقول أيضاً: نشيد موطني نشيد فلسطين الذي كتبه ابراهيم طوقان عندما اسمعه في الشام أردد: موطني موطني موطني يانشيد فلسطين تحت قباب الشآم حماة الديار عليكم سلام، من كتاب الشآم
إلى صديقي أبو عادل يا حمام الشآم الذي لا ينامْ..; يا حمام البيوت التي لا تموتْ. شفق ٌ… أو غسَقْ..سوف تأتي الغيوم بأمطارها حينَ تأتي مواعيدها.. سوسناً.. أو حبقْ.. لا تبوح المسافات قبل نهاياتها. والينابيع قبل بداياتها.. بدموع القلقْ. لا تبوح بأسرارها فالمناجم حين تكابد جوهرها في الغموضِ.. يكون الأرقْ في البلاد التي هيأتها سماواتها للمخاضِ. شتاء يعشِّقنا بالزجاجِ.. ليأخذنا للمصير النبيلْ على سفن.. لا تميلْ.عائدون على هودج البرتقالِ. مرافئنا حلمنا بالشآمْ.وحلم الشآم.. دروبٌ معتقة.. وشجرْ.