الثورة – علاء الدين محمد:
التصوف والأدب موضوع إشكالي شغل العديد من الكتاب والباحثين والدارسين.. الصوفيون لهم فلسفتهم وشعرهم الخاص الذي يتضمن ما تعتريه النفس وما تصبو إليه، من هيام ووجد وانصهار وذوبان في ذات المحبوب.
في المركز الثقافي العربي بالمزة أقيمت الحلقة التاسعة من الصالون الفكري الأدبي تحت عنوان (التصوف والأدب) شارك فيه كل من جمال المصري، أحمد هلال، غدير إسماعيل، قاسم فرحات، وأدار الحلقة الشاعر إبراهيم منصور الذي تحدث عن المحددات الأساسية للفكر الصوفي.
حيث أوضح أن الصوفية أصبحت موضة في هذا العصر كما يقال، ولكن هل هي صوفية أصيله أم هي صوفية شكلية، لكن بالعودة إلى الجلسة الماضيه التي كانت بعنوان بين الفلسفة والأدب فلابد من العودة الى الفلسفة، لتحديد بعض المصطلحات التي ستستخدم.
السؤال البديهي والبسيط كان ماهي الفلسفة؟.. بالتعريف البسيط، الفلسفة هي محبة الحكمة.. وهذا التعريف يتلاءم مع المستوى الفكري للحظة التاريخية التي ولدت هذا المفهوم، كان فيثاغورث الحكيم يقول: بأن صفة الحكيم لا تليق إلا بالله، وكفى بالإنسان شرفاً أن يكون محباً للحكمة، وساعياً وراءها، ولكن الفلسفة بدقه هي البحث عن العلل والأسباب الأولى للوجود.
والآن الفلسفة هي إنتاج المفاهيم..
أقسام الفلسفة تاريخياً، ثلاث أقسام أساسية..
المعرفة، الوجود، والقيم، في كل قسم هناك سؤال مركزي في المعرفة كان السؤال المركزي كيف نصل إلى المعرفة، والجواب على هذا السؤال، قسم الفلاسفة إلى فريقين أساسيين، وهذا الكلام مهم في الصوفية، فيما يعد الفريق الأول وهو الاتجاه العقلي قال: إن العقل هو طريق المعرفة، أما الحواس فهي خادعه ومضلله، وهناك أمثله كثيرة على ذلك في حياتنا اليومية، مثل السراب ومثل القلم الموضوع في الماء الذي نراه مكسوراً، وهذا الاتجاه يمثله بالدرجة الأساسية أفلاطون، هذا الاتجاه العقلي.
أما الاتجاه الحسي التجريدي الذي قال: إن الطريق إلى المعرفة عن طريق الحواس فقط، والعقل هو مجرد صفحه بيضاء.
القسم الآخر من الفلسفة وهو الأنطولوجيا (الوجود)، ما هو الوجود؟.. للجواب على هذا السؤال قسم الفلاسفة إلى فريقين، الأول يقول إن الروح كانت في الأساس، ثم أتت المادة ويمثله هيغل، والاتجاه الآخر الذي قال المادة أولاً ثم الروح، وهذا الكلام أساسي في قسم التصوف.. القسم الثالث من الفلسفة هو القيم، ولدينا علمان أساسيين هما علم الجمال، وعلم الأخلاق.
علم الجمال هو الذي يعطينا المعايير التي نحكم من خلالها على هذا الشيء إنه جميل أو قبيح.. وعلم الأخلاق الذي يعطينا المعايير التي نحكم من خلالها على هذا الشيء أنه خير أو شرير.
وما هي الآلة الأساسية التي ينتقل بها الفيلسوف من قسم إلى آخر.
إنه المنطق وهو ليس جزءاً من الفلسفة هو آلة المحددات الأساسية للصوفية، المفهوم الأول مفهوم الألوها في التغيير، مثلاً الدين يقول على أن الله هو قوة خارجة عن العالم تدير العالم، الصوفي بالعكس رأت أن الألوها هي طاقة مدسوسة في العالم كله وفي الأشياء كلها فلا يعود هناك فرق بين الذات وبين الموضوع، فالذات هو ما يحمله الإنسان من الأفكار، بينما الموضوع هو مستقل عن الذات، الصوفية قطعت هذه العلاقة بين الذات والموضوع ليصبح الذات هو الموضوع في آن واحد وهذه فكره جوهرية، ومع هذه الفكرة الصوفية تلتقي مع مذهب فلسفي معاصر الذي يقول بأنني لا أفهم الأشياء بذاتها وإنما أفهم كل الأشياء كما تظهر لي في الشعور.
أيضاً بهذا المفهوم تلتقي مع السريالية التي تقول إن هناك نقطه في الوجود تلتقي فيها الأضداد كلها، الموت والحياة السماء والأرض وهذا موجود عند هيغل الذي يقول إن كل ما هو عقلي واقعي، وأن كل ما هو واقعي عقلي، إذاً الصوفية منفتحة على الفكر العالمي.
إذاً المفهوم الأول هو الألوها والمفهوم الآخر هو الهوية.. فليست الهوية إرثاً بل ابتكار وتجدد مستمر، فالإنسان يبتكر هويته وكأن الهوية تأتي من المستقبل لا من الماضي، وهذه فكرة جوهرية عند الصوفية وتلتقي مع الوجودية التي تقول بأن الوجود يسبق الماهية.
المفهوم الثالث هو مفهوم الآخر هو طريق إلى معرفة الذات، فالصوفيون يعتبرون كلهم أنهم من نفس واحدة.
إذاً المحددات الأساسية للصوفية غيرت مفهوم الألوها والواقع والآخر.
أما غدير إسماعيل اقتصرت مداخلته على التورية والتقية في الشعر الصوفي حيث بين أن التقية هي أن لا يظهر الإنسان نيته الحقيقية كما يضمرها في قلبه.
أما التورية: فهي ستر المعنى على المخاطب، بفرض التحرز من الكذب، بأن يقول كلاماً يظهر منه معنى يفهمه السامع، ولكن يريد منه القائل معنى آخر.
كما جرى مع الشاعرين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم
يقولون إن الشوق نار ولوعة
فما بال ( شوقي) أصبح اليوم بارداً
وأودعت إنساناً وكلباً وديعة
فضيعها الإنسان والكلب (حافظ).
Manhal Ebrahem, [11/10/2023 8:04 PM]
بينما الناقد أحمد هلال كانت مداخلته عن الصوفية والنقد الحديث قال: إذا كانت الصوفية باشتقاقات تعريفها ليست مذهباً بل طريقة فحسب معيارها سلوكي، وحقل دلالاتها يخصب بالتقشف والجهر بالفضائل، فإن علاقتها بالإبداع وأجناسه المختلفة هي علاقة تكاملية وذات وشائج عميقة، وصولاً لعلاقتها التركيبية مع النقد بالمعنى المعرفي الذي يقاربها فكراً وسلوكاً وخصوصية.
ومعروف ما شاع أن الصوفية مشتقة من الصفاء أو صوفيا اليونانية، بمعنى الحكمة، وعلى ذلك حين يجهر الخطاب النقدي الحديث في تتبعه لنصوص بعينها استبطانا لرموزها وإشاراتها المضمرة أو المعلنة على حد سواء، بالقول: النزوع الصوفي أو التعالق الصوفي، فإنه علاقة ما بينه وبين التجليات، لرؤيته في التجربة الصوفية، إذاً لماذا نقف طويلاً أمام ما أبدعته قريحة واحدة من أعظم شعراء أوروبا وأعني به جوته العاشق للثقافة العربية، كتابه الديوان الشرقي ورسائله إلى صديقه كريستيان.