قالوا والعهدة على القائل أن”المال السايب يعلم على السرقة”.. ونحن نرد ونقول: إن ليس كل المال “سايباً وداشراً”، وتحديداً المال العام الذي لديه من الأعين ما يكفي لحراسته، ومن الأذرع الرقابية والقضائية والتنفيذية والأمنية القادرة على صونه والدفاع عنه وحمايته من لصوصية حفنة من الفاسدين والمرتشين والمارقين الذين مازال البعض منهم يرفض وبشكل قاطع أخذ الدروس والعبرة من سلفهم غير الصالح ممن كانوا يعتقدون واهمين ومخطئين أنهم يستطيعون بحركاتهم البهلوانية – الصبيانية – الشيطانية تخطي “ولو قيد أنملة” حدود أمننا الاقتصادي العام ومصلحتنا العامة.
نعم، سرقة وهدر المال العام أشد حرمة من أخذ المال الخاص، فالأول اعتداء “مع سبق إصرار وتصميم وترصد” على حقوق المجتمع كلكل، والثاني هو مس بغير وجه حق بحق فرد واحد أو مجموعة أفراد، كما أن المال الخاص له من يحميه، أما المال العام فحمايته مسؤولية المجتمع كله.
المال العام “بكل القوانين والأعراف والتشريعات” حلال للدولة، حرام على غيرها من الأسماء “التي كانت حتى وقت ليس ببعيد عن الآن” لامعة في فضاء المال والأعمال والتجارة والاستيراد والتخليص الجمركي، وطنانة رنانة وسباقة على الدوام في طلب المكاسب الجديد التي يمكن تسجيلها وإضافتها إلى حزمة التسهيلات وسلة الامتيازات وباقة الإعفاءات التي لم تبخل بها الدولة يوماً في سبيل تنظيم وتبسيط وتسهيل وتنشيط حركة التجارة “استيراداً وتصديراً” الحقيقية ـ النظامية ـ القانونية، لا التزويرية والتهريبية والتخريبية لاقتصادنا الوطني.
مناسبة هذا الحديث هي زوبعات الفساد التي مازال بعض تجارنا ومستوردينا ومخلصينا ومن لف لفهم من موظفين ضعاف نفوس يتناوبون على أثارتها في فنجان قطاعاتنا التجارية “الاستيرادية والتصديرية”والاقتصادية والصناعة، وتحالفاتهم المشكوك بها، وصفقاتهم المشبوهة مع الفاسدين والمهربين لارتكاب كل الموبقات المضرة بسمعة ومكانة وقوة اقتصادنا الوطني ومحاولة التطاول على المال العام وسرقته من خلال تزوير إجازات الاستيراد التي تمنحها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، إلى التلاعب بإقرارات التمويل الصادرة عن مصرف سورية المركزي، إلى تهريب آلاف الأطنان من المعدات الصناعية والتجهيزات الإلكترونية والمواد الغذائية والطبية والدوائية، وصولًا إلى تفويت “دون رادع أو وأعز” مئات المليارات من الليرات على الخزينة العامة للدولة، وتشكيلهم “وهذا الأخطر والأقبح” عامل ضغط مرعب على مؤشر صرف الليرة غير المستقر أصلاً.
كل ما سبق يدفعنا للمطالبة بأعلى صوت للنيل من رأس الفساد، و تغليظ عصا العقوبات، وضرب الفساد المالي والإداري بمقتل، وإنزال العقاب الذي يستحقه الفاسد والمهرب والمتهرب وواقف بينهم جزاء كل ما اقترفته يداهم القذرة ومحاولاتهم المستمية لدس السم في دسم اقتصادنا الوطني ونهب مالنا العام.
التالي