شاعر وقصيدة..محمود درويش: أنا يوسف.. ياأبتِ

الملحق الثقافي- وفاء يونس:

أنا يُوسُفٌ يَا أَبِي، يَا أَبِي، إِخْوَتِي لَا يُحِبُّونَنِي، لاَ يُريدُونَنِي بَيْنَهُم يَا
أَبِي، يَعتدُونَ عَلَيَّ وَيرْمُونَنِي بِالحَصَى وَالكَلَامِ يُرِيدُونَنِي أَنْ أَمُوتَ لِكَيْ
يَمْدَحُونِي، وَهُمْ أَوْصَدُوا بَابَ بَيْتِك دُونِي، وَهُمْ طرَدُونِي مِنَ الحَقْلِ، هُمْ
سَمَّمُوا عِنَبِي يَا أَبِي، وَهُمْ حَطَّمُوا لُعَبِي يَا أَبِي، حِينَ مَرَّ النَّسِيمُ وَلَاعَبَ
شَعْرِيَ غَارُوا وَثَارُوا عَلَيَّ وَثَارُوا عَلَيْكَ، فَمَاذَا صَنَعْتُ لَهُمْ يَا أَبِي؟
الفَرَاشَاتُ حَطَّتْ عَلَى كَتِفَيَّ، وَمَالَتْ عَلَيَّ السَّنَابِلُ، وَالطَّيْرُ حَطَّتْ على
راحتيَّ، فَمَاذَا فَعَلْتُ أَنَا يَا أَبِي؟ وَلِمَاذَا أنَا؟ أَنْتَ سَمَّيْتنِي يُوسُفًاً، وَهُمُو
أَوْقعُونِيَ فِي الجُبِّ، وَاتَّهمُوا الذِّئْبَ؛ وَالذِّئْبُ أَرْحَمُ مِنْ إِخْوَتِي.. أُبَتِ!
هَلْ جَنَيْتُ عَلَى أَحَدٍ عِنْدَمَا قُلْتُ إنِّي رَأَيْتُ أَحدَ عَشَرَ كَوْكباً، والشَّمْسَ
والقَمَرَ، رَأَيتُهُم لِي سَاجِدِينْ

عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ أَصْحُو، وَأَحْرُسُهُمُ مِنْ هُوَاةِ الرِّثَاءْ
أَقُولُ لَهُم: تُصْبحُونَ عَلَى وَطَنٍ، مِنْ سَحَابٍ وَمِنْ شَجَرٍ، مِنْ سَرَابٍ وَمَاءْ
أُهَنِّئُهُم بِالسَّلامَةِ مِنْ حَادِثِ المُسْتَحِيلِ، وَمِنْ قِيمَةِ الَمَذْبَحِ الفَائِضَهْ
وَأَسْرِقُ وَقْتَاً لِكَيْ يسْرِقُوني مِنَ الوَقْتِ، هَلْ كُلُنَا شُهَدَاءْ؟
وَأهْمسُ: يَا أَصْدِقَائِي اتْرُكُوا حَائِطاً وَاحداً، لحِبَالِ الغَسِيلِ، اتْرُكُوا لَيْلَةَ
لِلْغِنَاءْ
اُعَلِّقُ أسْمَاءَكُمْ أيْنَ شِئْتُمْ فَنَامُوا قلِيلاً، وَنَامُوا عَلَى سُلَّم الكَرْمَة الحَامضَهْ
لأحْرُسَ أَحْلاَمَكُمْ مِنْ خَنَاجِرِ حُرَّاسِكُم وانْقِلاَب الكِتَابِ عَلَى الأَنْبِيَاءْ
وَكُونُوا نَشِيدَ الذِي لاَ نَشيدَ لهُ عِنْدمَا تَذْهَبُونَ إِلَى النَّومِ هَذَا المَسَاءْ
أَقُولُ لَكُم: تُصْبِحُونَ عَلَى وَطَنٍ حَمّلُوهُ عَلَى فَرَسٍ راكِضَهْ
وَأَهْمِسُ: يَا أَصْدِقَائيَ لَنْ تُصْبِحُوا مِثْلَنَا… حَبْلَ مِشْنَقةٍ غَامِضَهْ!

وأَنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّرْ بغيركَ
[ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ ]
وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
[لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ]
وأَنتَ تُسدِّذُ فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
[مَنْ يرضَعُون الغمامْ]
وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ
[ لا تنس شعب الخيامْ]
وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ
[ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام]
وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات، فكِّرْ بغيركَ
[ مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ]
وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك
[ قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ]

2
الآن، في المنفى…. نَعَمْ في البيِت،
في السِّتينَ من عُمْرٍ سريعٍ
يُوقدون الشَّمْعَ لَكْ
فافرَحْ, بأقصى ما استطعتَ من الهدوء،
لأنَّ موتاً طائشاً ضَلَّ الطريقَ إليك
من فرط الزحام…. وأَجَّلكْ
قَمَرٌ فضوليُّ على الأطلال،
يضحك كالغبيّ
فلا تصدِّقْ أنه يدنو لكي يستقبلَكْ
هُوَ، في وظيفته القديمِة، مثل آذارَ
الجديِد…. أَعادَ للأشجار أَسماءَ الحنينِ
وأَهمَلكْ
فلتحتفلْ مع أَصدقائكَ بانكسار الكأس.
في الستين لن تَجِدَ الغَدَ الباقي
لتحملَهُ على كَتِفِ النشيد….. ويحملَكْ
قُلْ للحياةِ، كما يليقُ بشاعرٍ متمِّرسٍ:
سِيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ
وكيدهنَّ، لكلِّ واحدةٍ نداءٌ ما خفيٌّ:
هَيْتَ لَكْ/ ما أَجملَكْ!
سيري ببطءٍ، يا حياةُ، لكي أَراك
بِكامل النُقْصَان حولي، كم نسيتُكِ في
خضمِّكِ باحثاً عنِّي وعنكِ، وكُلَّما أدركتُ
سرّاً منك قُلْتِ بقسوةٍ: ما أَجهلَكْ!
قُلْ للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرتُ… لأُكْملَكْ!
3
عَلَى السَّفْحِ، أَعْلَى مِنَ البَحْرِ، أَعْلَى مِنَ السَّروِ، نَامُوا
لَقَدْ أَفْرَغَتْهُمْ سَمَاءُ الحَدِيدِ مِنَ الذِّكْرَيَاتِ، وَطَارَ الحَمَامُ
إِلَى جِهَةٍ حَدَّدَتْهَا أَصَابِعُهُمْ شَرْقَ أَشْلاَئِهِم.
أَمَا كَانَ مِنْ حَقَّهم أَنْ يَرُشُّوا عَلَى قَمَرِ المَاءِ ريْحَانَ أَسْمَائِهمْ
وَأَنْ يَزْرَعُوا فِي الخَنَادِقِ نَارنْجَةً كَيْ يَقِلَّ الظَّلاَمُ؟
يَنَامُونَ أَبْعَدَ مِمَّا يَضِيقُ المَدَى فَوْقَ سَفْحٍ تَحَجّرَ فِيهِ الكَلاَمُ
يَنَامُونَ فِي حَجَرٍ صُكَّ مِنْ عَظْمِ عَنْقَائِهمْ…
وَفِينَا مِنَ القَلْبِ مَا يَسْتَطِيعُ الوُصُولَ قَرِيباً إِلَى عِيدِ أَشْيَائِهم
وَفِينَا مِنَ القَلْبِ مَا يَسْتَطيعُ انْتِشَالَ الفَضَاءِ لِيَرْجِعَ هَذَا الحَمَامُ
إِلَى أَوَّلِ الأَرْضِ، يَا أَيُّهَا النَّائِمُونَ عَلَى آخِرِ الأرْضِ فِينَا، سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ… سَلاَمُ
وليكن …
بدَّ لي أن أرفض الموت
وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفة
وأعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
فإذا كنت أُغني للفرحْ
خلف أجفان العيون الخائفة
فلأنَّ العاصفة
وعدتني بنبيذ… وبأنخاب جديدة
وبأقواس قزح
ولأن العاصفة
كَنست صوت العصافير البليدة
والغصون المستعارة
عن جذوع الشجيرات الواقفة
وليكن..
لا بدَّ لي أن أتباهى، بك يا جرح المدينة
أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة
يعبس الشارع في وجهي
فتحميني من الظل ونظرات الضغينة
سأعني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة
منذ هبت، في بلادي العاصفة
وعدتني بنبيذ، وبأقواس قزح
======تتموَّج الذكرى، وبياراتُ أهلي
خلف نافذة القطارْ
وتغوص، تحت الرمل والبارود، دارْ
كل النوافذ أُشرعت في ذات يوم
للعيون السود، واحترق النهارْ
وَلَعاً بساحتك الصغيرة
وأنا كبرتُ..كبرتُ..
حَطَّمْتُ المرايا كُلَّها،
ونفضتُ أجنحةَ الغبارْ
عن جنَّة نبتت بصورَهْ
ورأيت وجهك في السنابلِ
وهي تبحر في سماء الضوء
في فرح الضفيرة
يا حبي الباقي على لحمي هلالاً في إطار !
أترى إلى كل الجبال، وكل بيارات أهلي
كيف صارت كلّها.. صارت أسيرة؟
وأنا كبرتُ، كبرتُ يا حبي القديم مع الجدار
كبر الأسير، وأنت توقدُ
في ليالي التيه أُغنيةً ونار
وتموت وحدك، دون دار
الرئيسية
القصائد
الاقتباسات
الشعراء والمؤلفون
من آخر السجن، طاردت كفُّ أشعاري
تشد أيديَكُمْ ريحاً… على نارِ
أنا هنا، ووراء السورِ، أشجاري
تُطوِّع الجبلَ المغرورَ.. أشجاري
مذ جئتُ أدفع مهر الحرف، ما ارتفعتْ
غيرُ النجوم على أسلاك أسواري
أقول للمُحْكِم الأصفادَ حول يدي:
هذي أساور أشعاري وإصراري
في طول عمركمُ المجدولِ بالعارِ:
أقول للناس، للأحباب: نحن هنا
أسرى محبتكُمْ في الموكب الساري
في اليوم، أكبر عاماً في هوى وطني
فعانقوني عناق الريح للنارِ.

                            

العدد 1167 –  14-11-2023   

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة