الثورة – متابعة عبد الحميد غانم:
نظمت مؤسسة القدس الدولية (سورية) بالتعاون مع جامعة دمشق واتحاد المؤرخين العرب واتحاد الكتاب العرب وكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة – قسم التاريخ، ندوة ثقافية تاريخية تحت عنوان (الإسهامات الأكاديمية الجامعية في التاريخ للقدس)، تحدث خلالها عدد من الباحثين والأساتذة الجامعيين بحضور نخبة من المؤرخين والكتاب وأساتذة في جامعة دمشق والإعلاميين وجمهور غفير من الطلبة الدارسين في الجامعة.
قبيسي: اسم القدس القديم هو القدس وليس أورشليم
تحدث في المحور الأول للندوة الباحث الدكتور محمد قبيسي الأستاذ المحاضر في جامعات دمشق وحلب وتشرين والقاهرة سابقاً حول (القدس في الآثار والكتابات المصرية والعمورية والكنعانية والآرامية وتفنيد المزاعم الصهيونية) أشار فيها إلى أن اسم القدس القديم هو القدس وليس أورشليم، وأن أورشليم خلاف القدس، وقد كانت أورشليم ثرى من القدس حسب مقولات يوسوفيوس اليهودي في القرن الأول الميلادي. ونبه إلى أن من عيّن أن الهيكل مكان المسجد الأقصى هو إسحق نيوتن صاحب نظرية الجاذبية الأرضية عام ۱۷۲٥ ميلادية وليس عام ١٧٢٥ ق.م، وضرورة الانتباه إلى ذلك وإزالة خريطة الهيكل الموجودة في الطبعات الجديدة للكتاب المقدس لأنها محض تزوير وافتراء.
وقد فند الدكتور قبيسي في محاضرته المزاعم الصهيونية التي عملت على نشر الأكاذيب والأضاليل حول تاريخ القدس من تشويه الوثائق التاريخية واعتماد لغة مجهولة ليس لها أي مستند تاريخي علمي، ونوه بأن المحاولات الإسرائيلية لطمس هوية القدس وتهويدها باءت بالفشل وباعتراف بعض الصهاينة.
النهار: عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والعربية
وفي المحور الثاني من المحاضرة التي تحدث فيها الدكتور عمار النهار أستاذ التاريخ في جامعة دمشق حول ( قراءة في كتابه – هكذا سلم هؤلاء بيت المقدس للفرنج الصليبيين)، فأشار إلى قضية الورثة الذين يضيعون تراث الآباء العظيم ويسرفون في سحب الأرصدة الشعبية الهائلة التي بذلها آباؤهم، وتتحدث عن المصالح الضيقة والمكاسب الصغيرة وضيق الأفق السياسي وكيف تتحول القضايا الكبيرة عند صغار السلاطين والحكام إلى سلعة قابلة للتداول والمساومة.
ونوه الدكتور النهار إلى ما جاء في الكتاب من حقائق مؤلمة عن التفريط السياسي بحق المدينة المقدسة في الحقبة الأيوبية بعد الإنجاز الكبير الذي حققه مؤسس الدولة صلاح الدين الأيوبي وقيادته وأمته الملتفة حوله، مشيراً إلى انهيار شعبية السلطة الأيوبية وسقوط هيبتها واحترامها بين الناس بسبب ذلك عدة مرات، وهو الأمر الذي أدى من جملة ما أدى إلى انهيار الدولة الأيوبية بسرعة على يد مماليكهم العسكريين.
وأكد الدكتور النهار على أهمية الكتاب كونه غنياً بالدروس السياسية التي يجب أن يقرأها صانع القرار السياسي الفلسطيني والعربي لعدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والعربية مهما كانت التحديات والتمسك بالمسجد الأقصى ومدينة بيت المقدس لأن التفريط بها سيجعلنا نخسرها.
الخلايلي: مشاريع إسرائيلية مسيّسة لتهويد القدس
أما المحور الثالث فقد تحدث الباحث الدكتور إبراهيم خلايلي من مؤسسة القدس الدولية حول (إشكاليات تاريخ مدينة القدس – الطروحات والردود عليها) سلّط خلالها الأضواء على محطات أساسية في تاريخ القدس القديم كإشكالية بحثية ترتبط بهذه المدينة الكنعانية، تبدأ ببعض أسمائها الواردة في الوثائق القديمة وكتب الدين، وجل التفاسير لهذه الأسماء، ومناسباتها التاريخية والدينية، وارتباط ذلك بالمكتشفات الأثرية وتاريخ تأسيس المدينة والغموض المحيط به وعلاقتها بالمدن الكنعانية، سواء في فلسطين، أو في العالم الكنعاني عموماً.
وتناول الدكتور خلايلي ما تعرضت وتتعرض له مدينة القدس من محاولات صهيونية لإخراجها من دائرة المدن الكنعانية الرئيسية في المنطقة، وذلك ضمن إطار عملية التهويد التي تستهدفها، والتي تصاعدت وتيرتها في مطلع القرن الحادي والعشرين، مرة بالترويج لأبحاث ودراسات حول وجود مركز مملكة توراتية ومعبد توراتي في القدس، ينفي كتاب التوراة نفسه حقيقتهما، إضافة إلى انعدام الشواهد الأثرية حولهما، ومرة بالترويج لموضوع التأسيس المتأخر للمدينة، بما يسهم في طمس هويتها الكنعانية القديمة، وكل ذلك عبر بحوث تفتقر إلى الدقّة والمصداقية، وكذلك عبر مشاريع إسرائيلية مسيّسة تمت في العقدين الماضيين ومهّدت بشكل أو بآخر لإعلان الولايات المتحدة في السادس من كانون الأول عام 2017 القدس عاصمةً للكيان الإسرائيلي.
وقّدم الدكتور خلايلي لمحة تاريخية عن تلك المدينة الكنعانية التي سجّلت حضورها كموقع أثري في الألف الرابع ق.م وفي الفترات اللاحقة للألف الرابع، وذلك دون التثبُّت من اسمها الأصلي، على الأقل حتى نهاية الألف الثالث ق.م، كما تحدث الدكتور خلايلي عن بعض الإشكاليات والطروحات الجديدة المستهدفة لمدينة القدس وقدّم بعض الردود عليها، وأشار إلى أنه في إطار سعي السلطات الصهيونية لاحتلال التاريخ بعد احتلال الأرض، أشرف المؤرخون الإسرائيليون على محاولات لجعل القدس من المدن الكنعانية ضمن دائرة التهويد مستغلّين بعض الروايات التوراتية المختلقة، ومبتعدين تماماً عن روايات من الكتاب نفسه تنقض وتفنّد مزاعمهم.
كما أكد الباحث الخلايلي أنه لا يمكن الوثوق بنتائج الحفريات الأثرية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي أو يشرف عليها في المواقع الأثرية في فلسطين المحتلة، فهذه الحفريات تلغي حقباً تاريخية ومراحل أساسية من تلك المواقع، ومنها القدس، بما يتناسب مع سياسة الكيان الإسرائيلي في احتلال التاريخ بعد احتلال الأرض، وذلك بتزوير نتائج الحفريات وإخفاء الكثير منها، إضافة إلى التلاعب بالتسلسل الزمني (الكرونولوجي) في المنطقة بأسرها، ضمن مشاريع يهدف بعضها إلى محو وجود أهم المدن الكنعانية في الألف الثالث ق.م.
كما أكد الباحث الخلايلي أن معطيات كتاب التوراة تؤكد وبدقة أنه لا توجد حضارة أو مملكة تحمل اسم (إسرائيل) أو (يهودا). ورأى أنه بعد التدقيق في تلك المعطيات لا داعي لانتظار نتائج حفريات لأنها لن تثبت شيئاً من ادعاءات التوراتيين، ومن ناحية أخرى سيلجأ من يقف وراء تلك الحفريات في الكيان المحتل إلى تزوير النتائج والمعطيات بأساليب مختلفة.
المفتاح: نكشف للجيل زيف الإدعاءات الصهيونية لتهويد القدس
وقد أدار الندوة الدكتور خلف المفتاح مدير عام مؤسسة القدس الدولية – سورية ، مؤكداً أهمية تقديم هذه الفعالية في جامعة دمشق العريقة التي شكلت عبر مسيرتها مصنعاً للأجيال المثقفة والمتعلمة ومدت الوطن بالعقول المناسبة لتطوره وتقدمه في كل مجالات الحياة، مؤكداً على ضرورة أن يعرف ويطلع الجيل على تاريخ القدس الحقيقي ونكشف له زيف الإدعاءات الصهيونية لتهويد القدس وفلسطين ومحاولات طمس حقوق فلسطين العربية وحقوق أمتنا بهذه المقدسات.
مسلم: لا علاقة للصهيونية بتاريخ فلسطين
كما تحدث الدكتور عدنان مسلم عميد كلية الآداب بجامعة دمشق، مشيراً إلى أن الندوة تأتي في سياق مؤتمر جاء تحت عنوان الندوة مترافقاً مع معرض للفنون الحرفية تعكس آثار فلسطين العربية نافياً أية علاقة للصهيونية بتاريخ فلسطين والمنطقة وأنه جاء في سياق المخطط الصهيوني الاستعماري.
وقد عقدت الجلسة الأولى، التي أدارها الدّكتور فاروق أسليم عضو اتّحاد الكتّاب العرب، صباح يوم أمس الاثنين بمدرّج المؤتمرات في البرج التّعليمي في كلية الآداب، وقدّم خلالها الدّكتور محمود الحسن قراءةً في كتاب “رحلات الفارس دارفيو إلى فلسطين” للرّاحلة الدّكتورة ليلى الصّباغ، وتحدّث الدّكتور عبد الله السّليمان عن “دور أساتذة التّاريخ القديم بجامعة دمشق في توثيق تاريخ القدس القديم”، بينما قدّم الدّكتور خالد الفيّاض قراءة في العدد الخاص عن القدس في مجلة “الحرفيين”.
تصوير عدنان الحموي