الثورة – لينا شلهوب – ثراء محمد:
في ورشة العمل عن حالة البيئة خلال الفترة من ٢٠١٠ – ٢٠٢١، التي أقامتها وزارة الإدارة المحلية والبيئة اليوم، بيّن مدير البحوث البيئية في الوزارة الدكتور أحمد نعمان أن التقرير تضمن فترة الحرب على سورية، كما أن التقرير أُعد جراء تأثر سورية بالتغيرات المناخية بحكم موقعها الجغرافي ضمن المناطق الجافة وشبه الحافة، لافتاً إلى أن تكرار الجفاف وزيادة حدته أدى إلى تراجع في الموارد المائية المتاحة، الأمر الذي سبب إرباكاً في إدارتها، وهذا آثار المخاوف حول الإنتاج الزراعي وأخطار التصحر.
منهجية التحليل
وأشار إلى أنه نتيجة تراجع القدرة على معالجة المشكلات البيئية بسبب الحرب الإرهابية، والتخريب الممنهج الذي طال البنى التحتية والموارد الطبيعية، وتعرض القطاعات لتعديات صارخة، أدى ذلك إلى ترك آثار سلبية على البيئة بجميع مكوناتها، وفاقم الوضع الإجراءات القسرية أحادية الجانب، حيث أدت إلى ضعف الاستفادة من دعم الصناديق البيئية الدولية، وتوقف تنفيذ العديد من المشاريع التنموية الهادفة إلى حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
فيما أوضح الدكتور نعمان أن التقرير يهدف إلى تقديم وصف دقيق لحالة البيئة خلال الفترة المذكورة، ووضعه في متناول أصحاب القرار والمجتمع، مع تحديد الضغوط والتحديات التي تعرضت لها النظم البيئية والموارد الطبيعية، وتحديد أسبابها وبيان آثارها على البيئة والإنسان، وصولاً إلى تحديد أهم الرسائل الأساسية على المستوى الوطني والتي تساعد على اقتراح الحلول العامة للمشاكل البيئية استناداً إلى البيانات والمؤشرات الحديثة، وبمشاركة كل الشركاء والجهات المعنية.
كما أوضح أن التقرير اعتمد على منهجية التحليل DPSIR وهي أداة تستخدم في إعداد تقارير حالة البيئة، وتعتمد على خمسة عناصر: الدوافع والتي تتعلق بالأسباب والعوامل التي تؤدي إلى التغيرات المناخية، مثل النمو السكاني، الضغوط والتي تتعلق بالعوامل التي تؤدي إلى التأثير على البيئة مثل الانبعاثات الصناعية، الحالة وتتعلق بالتغيرات التي تطرأ عليها كتلوث الهواء، التأثيرات والضغوط والتلقي على البيئة كإنقراض الأنواع، وأخيراً الاستجابات وتتعلق بالتدابير والردود التي يتم اتخاذها للتعامل مع التحديات البيئية والحد من الآثار السلبية.
خلل في التوزيع السكاني
الباحثة من كلية الاقتصاد الدكتورة رشا سيروب أكدت أن الحرب على سورية كرّست خللاً واضطراباً في التوزيع السكاني، مترافقاً مع انزياحات سكانية طارئة بعد عام ٢٠١١، شكلت ضغوطاً بيئية كبيرة ولاسيما على التجمعات العمرانية الرئيسية، أما فيما يخص التوزيع الجغرافي غير المتوازن للسكان، فقد عانت سورية من هذه المشكلة قبل الحرب، وتفاقمت في ظلها، وفي ضوء ذلك حدث تغير في تقسيم المحافظات جذباً أو طرداً بمعدل غير ثابت وعرضة للتحول وفقاً لتغير الظروف، وبالرغم من ذلك بقيت حالة عدم التوازن في التوزيع السكاني واضحة، حيث يقيم نحو ٤١،٨٥٪ في العام ٢٠٢١ في ثلاث محافظات، هي دمشق وحلب وريف دمشق، ومع ذلك لا تعطي هذه الأرقام دلالة عن واقع الكثافة السكانية.
كما تبين التقديرات أن عدد سكان بعض المدن انخفض إلى النصف خلال الفترة من ٢٠١٤ حتى ٢٠١٦ مثل حلب، بالمقابل هناك حالة عدم استقرار سكاني، مثل محافظة الرقة التي أصبحت جاذبة للسكان مع بداية الحرب على سورية، بعد أن كانت عكس ذلك، وغيرها عدد من المحافظات مثل درعا، الأمر الذي سبب تحديات وضغوطاً على الخدمات والبنية التحتية والنظام البيئي فيها، وأدت الزيادة في المحافظات الجاذبة للسكان إلى زيادة معدل استهلاك الموارد فيها، وحدوث ضغط غير متوازن على البيئة والموارد الطبيعية وخدمات البنية التحتية والطاقة والتعليم والصحة والإسكان، وعدم تمكن القدرة البيولوجية للموارد الطبيعية من تلبية الطلب عليها، ما أثر في قدرتها على التجدد، مع حدوث تحديات على الجوانب الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية.
وبذلك تحتاج سورية إلى سياسة سكانية تشمل خفضاً وتنظيماً لمعدل الزيادة، وتوجيه الزيادة الحاصلة و(إعادة توزيع الكثافة السكانية الحالية) نحو التموضع في مناطق ذات قدرة استيعابية سكانية على وجه الخصوص في المناطق المدمرة والمنكوبة.
اقتصاد استهلاكي
الدكتور أحمد خضر من جامعة دمشق أشار إلى أنه في مجال الاقتصاد والبيئة، أفضت منعكسات الحرب على سورية بتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد استهلاكي يعتمد بشكل كبير في تلبية الطلب المحلي على الاستيراد، بعيداً عن دعم الحلول المستدامة، الأمر الذي انعكس سلباً على الواقع البيئي، مبيناً أن الحرب الإرهابية كان لها أثراً في الاقتصاد إذ حرفته عن المسار التنموي الهادف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وخلّفت ضغوطاً بيئية مما شكل أضراراً على القاعدة الإنتاجية، والنشاط الاقتصادي، وأدى إلى آثار بيئية كارثية فرضت تراجعاً تنموياً على مختلف المستويات.
انخفاض كفاءة المحطات
وفي مجال الطاقة، تم التنويه إلى أنه بعد عام ٢٠١١ تأثر قطاع الطاقة سلباً، سواء من ناحية النقل أو التوزيع والإصدار، فانخفضت حصة الفرد من الاستهلاك السنوي، كما انخفض إنتاج الطاقة الكهربائية من ٤٩ مليار ك.و.س. عام ٢٠١١ إلى حوالي ١٩ مليار ك.و.س. عام ٢٠١٦، ثم ازداد إلى ٢٧ مليار ك.و.س. خلال عام ٢٠٢٠، ثم انخفض في العام ٢٠٢١ بسبب انخفاض كميات الغاز الطبيعي المورد إلى محطات التوليد إلى ٢١،٩ مليار ك.و.س.
كذلك انخفضت كمية الغاز المستهلكة لإنتاج الكهرباء، وبالتالي انخفضت حصة الفرد، حيث أدى النقص الحاصل في حوامل الطاقة (خروج منابع الغاز الطبيعي عن الإنتاج وخط الغاز العربي) إلى توقف العديد من محطات التوليد والتحويل الرئيسية عن الخدمة، كما أدى قدمها وعدم التمكن من إجراء الصيانة اللازمة المتبقي منها إلى انخفاض كفاءة عمل تلك المحطات وزيادة الانبعاثات الغازية، كما تضررت شبكة النقل التي أثرت في ساعات التغذية من التيار الكهربائي، وأدى إلى فرض التقنين الذي وصل إلى مستويات قياسية.
إذاً ونتيجة النقص في مصادر الطاقة واستخداماتها، مع وجود حلول غير مكتملة باعتماد الطاقات المتجددة لتخفيف الأضرار البيئية، كان لابد من تشجيع الاعتماد على الطاقة المتجددة، والتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري الذي يصعب توفيره.
موجات جفاف شديدة
تتجاوز درجة الحرارة معدلاتها السنوية ولوحظ ارتفاع قياسي لموجات الحر صيفاً، وأظهرت دراسة تتبع الجفاف باستخدام الصور الفضائية التي أجريت ضمن المرصد البيئي الوطني في وزارة الإدارة المحلية والبيئة إلى تعرض أكثر من ٤٠٪ من مناطق القطر لموجات جفاف طغت عليها سمة الجفاف القاسي والشديد جداً، وبالتالي حدوث تدهور حصل في المناطق الجافة وشبه الجافة ومزيداً من الموجات الحارة مترافق مع تراجع الغطاء النباتي مع إمكانية تشكل منابع غبارية مستجدة ضمن الأراضي السورية والحدودية خلال المواسم القادمة، كما تتعرض سورية لظواهر غبارية ورملية مختلفة الأسباب والمنشأ.
تلوث الهواء
إن ارتفاع معدلات تلوث الهواء في التجمعات العمرانية الرئيسية نتيجة الحمولات السكانية الطارئة، ورداءة حوامل الطاقة المستخدمة في قطاعات النقل والصناعة ومحطات توليد الكهرباء، بالإضافة إلى بروز مصادر جديدة لتلوث الهواء نتيجة استخدام حراقات غير الشرعية في المناطق الشمالية الشرقية، تسببت بمشاكل صحية وتفاقم حالات الربو وغيرها، من هنا تم الاستجابة للمتغيرات البيئية للحد من تلوث الهواء فتم تعديل قانون البيئة رقم ٥٠ لعام ٢٠٠٢، بالقانون ١٢ لعام ٢٠١٢،والذي يعد حجر الأساس لتطبيق المعايير البيئية من خلال تفعيل عمليات التفتيش البيئي الذي كان له أثر في الحد من الانبعاثات الغازية أنشطة الملوثة للبيئة.
محطات معالجة غير مستكملة
إدارة الموارد المائية، وعدم التمكن من استكمال تنفيذ محطات المعالجة ومشاريع الصرف الصحي، أدى إلى ارتفاع معدلات تلوث المياه وتضرر الحوامل، وتعرض القطاع إلى مجموعة من الضغوط والمشاكل البيئية، ونتيجة دراسة عناصر الملوحة تبين أن التلوث ناشئ عن رمي المخلفات الصناعية قبل معالجتها في المجاري العامة، ورمي الزيوت المعدنية والشحوم والمحروقات الناتجة عن صيانة السيارات في المجاري المائية والذي أدى إلى تلوث المياه.