‎أغنية لغزة

الملحق الثقافي-فرات أسبر :    

‎عرَّفَ العربُ القدماء اللّغة، ومنهم ابن جني “أبو الفتح عثمان بن  جني”، وهو عالم ُ نحوي كبير:”بأنها أصوات يعّبرُ بها كل قوم عن أغراضهم”.
فاللّغة هي صورة الإنسان وتعبيراته عن ذاته ومشاعره وما يحتاجه، وهي كيانه الوجودي للتواصل مع كل ما يحيطه في هذا العالم، العالم المتحرك والعالم الصامت.
‎ الُّلغة هي الوطن والأهل، الشعور والإحساس والتفكير والتعبير عن الأفراح والأحزان والفقد، هي ما يتميزُ به الإنسان عن غيره من بقية المخلوقات التي بالتأكيد لها لغةٌ لا نفهمها.
‎لكل قوم  لغة يعبرون بها عن أمور تخصهم وتتجاوزحاجاتهم، وقد تكون ملحة كأصوات استغاثات من إبادة جماعية يتعرضون لها، إبادة منظمة باحتراف لامثيل له وخير مثال على ذلك “أهل غزة” التي كانت على مر التاريخ تعبرُ إليها القوافل في رحلة الصيف والشتاء.

‎ ويعرفها ياقوت الحموي في معجمه: «غَزَّ فلان بفلان واعتز به إذا اختصه من بين أصحابه”، ولكن غزة اليوم لاأصحاب لها.!.
‎ لم يترك أهل فلسطين أي نوع من أنواع  النداء في اللغة التي تحدث عنها ابن جني للتعبير عن أغراضهم إلا واستخدموها  ولكن للعرب لغة يتقنونها، لكن لا أذن لهم لتسمع صراخ الأطفال تحت الأنقاض والأمهات والبنات حتى الخيول والقطط والكلاب لم تنجُ من هذه المذابح التي مازالت إلى هذا اليوم.
‎اللغة، كلام العرب، اليوم، وبكل ما تحمل من معانٍ وأضداد، تصحرت في رمال الوهم وتيبستْ في أطلال العرب وتغيرت بحورها، فاليوم لم تعد الفئة الكبيرة تغلبُ الفئة الصغيرة، وإنما الفئة الصغيرة تغلبُ الفئة الكبيرة!.
‎ماذا أقول اليوم في لغتي العربية وأكتب، ماذا يمكن أن أقول لطفلة تبحثُ عن أمها  بين الركام وتنادي: “أنا أعرف أمي من شعرها وأقراطها “.
‎أو أُمّ تصرخ:”أين ولدي أنا أُعرفه من شعره المجعد “.
‎أيتها المرأة الشجاعة، لا لغة أبو الفتح عثمان بن جني تعّبرُ عنك ولا عما تعانين ولا أي لغة بكل أغراضها تكفي  للتعبيرعما حل بكم اليوم.. ولكن لا بّد من أن نقول لك، لأن القول مهما كان نوعهُ أفضلُ من الصمت.
‎وأنا أقول لك بلغتي:يا ابنة َالقمر تنفسي هذا الهواءَ الملوث في أنفاس إخوتك العرب، سامحيهم ُ فهذا الجرح سيلتئم
‎ سيصيرُ برتقالاً في أراضي يافا
‎ وملحاً في سواحل حيفا
‎ وعنباً في كروم الأمهات

‎ في أحضانهن سينمو الزعتر البري
‎ فالأبناء ُجواهر ٌونجوم
‎ ويبقى الموتُ عدو َالحياة
‎ إلا في بلادٍ نذرتْ  نفسها للموت
‎ والقرابينُ كلها لم تكن كبشَ إبراهيم ولا أولاد إسحاق
‎هاجر وإسماعيلُ  يُخيطونَ جراحاتهم بالصمت والموت
‎الزهور تنمو في أراضيهم  وتضيء فوقها الطائرات
‎ أيها السياج العالي:
‎  العصافير تطير فوقك

‎ في سلمٍ يصعدُ بها إلى السماء  وتعود إلى الأرضِ  خِفَافاً

‎ الأرض التي انطوت خجلا ًعلى ذاتِها  من الصمت المهين
‎  بَكتْ شجرات ُ البيت والنبع  ُوالطريق
‎ وألعاب ُ الأولاد تدحرجت على السلالم  كأنها منذورة ٌ لموت يتناسل ُ مثل الأرقام في العد والتعداد  حيث  الذاكرة ستبقى محفوظة ً في علبِ النسيان.
‎ الساعاتُ على الجدران تهتزُ
‎ توقفْ أيها الزمن.
‎على بابِ البيتِ لي أبٌ ربما قد يعود
‎وأمي هنا تُرضعُ صغار القطط التي ماتت أمهاتهم  تحت  قصف البرابر
‎إّننا  نكتملُ  بذواتنا  فكلُّ شهيدٍ منا  له صوت ٌ يعبرُ مسافات السماء ويعود إلى الأرض  مطمئناً

‎ آهٍ  يا ربي  الغفور: لماذا  ُتقتلُ  ِصغارُ  الطيور؟
‎إننا في عصرٍ نشهدُ فيه على بشاعة هذا العالم المرعب  ووحش كاسر لا يجد من يقول له توقف! فقط جماهير ترددُ بلغاتها  “فلسطين  حرة”.
‎أيتها المدينة يا من تصرخين من آلام مخاضك  لا أحد يسمعك والعالم أصم أذنيه عن صراخ فراخك!.

                       

العدد 1168 –  23-11-2023   

آخر الأخبار
مخبز بلدة السهوة.. أعطاله متكررة والخبز السياحي يرهق الأهالي عودة الحركة السياحية إلى بصرى الشام خبير اقتصادي لـ"الثورة": "الذهنية العائلية" و"عدم التكافؤ" تواجه الشركات المساهمة اشتباكات حدودية وتهديدات متبادلة بين الهند وباكستان الرئيس الشرع يلتقي وزير الزراعة الشيباني أمام مجلس الأمن: رفع العقوبات يسهم بتحويل سوريا إلى شريك قوي في السلام والازدهار والاقتصاد ... "الصحة العالمية" تدعم القطاع الصحي في طرطوس طرطوس.. نشاط فني توعوي لمركز الميناء الصحي  صناعتنا المهاجرة خسارة كبيرة.. هل تعود الأدمغة والخبرات؟ ترجيحات بزيادة الإمدادات.. وأسعار النفط العالمية تتجه لتسجيل خسارة تركيا: الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشترك مع سوريا "موزاييك الصحي المجتمعي" يقدم خدماته في جبلة تأهيل طريق جاسم - دير العدس "بسمة وطن" يدعم أطفال جلين المصابين بالسرطان اللاذقية: اجتماع لمواجهة قطع الأشجار الحراجية بجبل التركمان درعا.. ضبط 10 مخابز مخالفة تربية طرطوس تبحث التعليمات الخاصة بامتحانات دورة ٢٠٢٥ مُنتَج طبي اقتصادي يبحث عن اعتراف سوريا أمام استثمارات واعدة.. هل تتاح الفرص الحقيقية للمستثمرين؟ دعم أوروبي لخطة ترامب للسلام بين روسيا وأوكرانيا