حسين صقر
كثيراً ما يصل بعض الأزواج إلى طريق مسدود في علاقتهما، يصعب خلاله العودة إلى عش الزوجية، وهو ما يثير بينهما قضايا مهمة كالنفقة والحضانة، وغير ذلك من بعض المشكلات التي لا يحلها سوى القانون، حيث يكون الرجل في بعض الأحيان سبباً، وفي أحيان أخرى تكون المرأة، وفي مواقع أخرى يقتنع الطرفان بأن الانفصال هو الحل الأمثل، لقناعتهما بأنهما يتحملان المسؤولية معاً عما آلت إليه تلك العلاقة، والنشوز أحد تلك القضايا والمشكلات التي تواجه الزوجين، وفي هذه الحالة تكون الزوجة سبباً في ذلك، ويعرف بأنه استعلاء النساء على أزواجهن وعدم طاعتهن لهم، ومخالفتهن لأوامرهم.
وللحديث أكثر عن موضوع النشوز، وأحكامه في القانون السوري، تواصلت “الثورة” مع المحامي بشار العلي، الذي أوضح رداً على بعض الأسئلة حول ماذا لو انقطعت رابطة المودة والرحمة والانسجام بين الزوجين، وحدثت الخلافات وتصاعدت وتركت الزوجة دار الزوجية، فهل يحق للزوج أن يجبرها ويعيدها بالقوة ؟ ومتى ينطبق عليها الوصف القانوني بأنها ” ناشز”؟ وما هي الآثار القانونية للنشوز وفق قانون الأحوال الشخصية السوري رقم /59/ لعام 1953 وتعديلاته؟.
وقال المحامي العلي: بداية إن المرأة الناشز وفق ما جاء في المادة /75/ من القانون المذكور هي التي تترك دار الزوجية بلا مسوّغ شرعي، أو تمنع زوجها من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقل إلى بيت آخر، أي أن المرأة التي تترك دار الزوجية استناداً لمسوغ شرعي لا تعتبر ناشزاً.
وأضاف لتوضيح ذلك نورد الأمثلة التالية: إذا كان الزوج هو من قام بطرد زوجته من المنزل، وكان قاسياً في معاملتها إلى حد ضربها ضرباً مبرحاً وأساء معاشرتها إلى حد استحالة الحياة الزوجية معه بما يخالف المقتضى الشرعي والسلوك الإنساني، فهنا يحق للزوجة ترك دار الزوجية من دون أن تعتبر ناشزاً، منوهاً أنه بكل الأحوال فإنه: عند ترك الزوجة لمنزل الزوجية لا يحق للزوج إجبارها على الرجوع والعودة للمنزل وإنما كل ما يستطيع فعله هو رفع دعوى المتابعة الزوجية.
دعوى المتابعة
وأضاف العلي: لا بد من الإشارة هنا إلى أنه كثيراً ما يتداول الناس مفهوم ومصطلح “بيت الطاعة” الذي يسمعوه ويشاهدوه بالمسلسلات والأفلام المصرية، من دون علمهم بأن هذا المفهوم غير موجود أساساً في القانون السوري، وإنما يوجد ما يسمى دعوى المتابعة الزوجية التي يمكن للزوج مباشرتها إذا أراد إعادة زوجته إلى بيت الزوجية.
وأوضح أنه لكي يكون الزوج محقاً في دعواه ويتم قبولها لا بد من توافر شرطين اثنين، هما مضمون المادة /72/ ف2 من قانون الأحوال الشخصية، الشرط الأول: أن تكون الزوجة قد قبضت معجل مهرها إن كان غير مقبوض سواء نقداً أو مشتری به أشياء جهازية ومصاغاً وألبسة، الشرط الثاني: أن يكون الزوج قد هيأ المسكن الشرعي الصالح لإقامة الزوجة، صحة وأمناً ومناسباً لحالة الزوج، ومجهزاً بالأثاث اللازم سواء، كان ملكاً أو مستأجراً وفق الشروط المنصوص عليها بالمواد /65-67، 68-69/ أحوال شخصية، ويعود تقدير صلاحية المسكن الشرعي لقاضي الموضوع بعد الكشف عليه أصولاً.
وأوضح المحامي العلي، إن لم تتوفر الشروط السابقة فإن دعوى الزوج بالمتابعة ترد، أما في حال توافر هذه الشروط فلا تجبر الزوجة على العودة بالقوة من دون إرادتها ولكن عند تمنعها العودة لمسكن الزوجية تعتبر ناشزاً..
و”الناشز” لها أن تطالب بكامل حقوقها من حضانة ومهر وإراءة باستثناء النفقة، أي أن عقوبة عدم لحاقها ببيت زوجها هو سقوط نفقتها فقط، وقد نصت المادة /74/ أحوال شخصية: إذا نشزت المرأة فلا نفقة لها، أي أن نشوز الزوجة لا يحرمها من النفقة المستحقة قبل نشوزها وتبقى الآثار المترتبة على نشوز المرأة هي فقط سقوط حقها في النفقة الزوجية من تاريخ صدور قرار رئاسة التنفيذ المبرم بنشوزها، مع التنويه إلى أن الاجتهاد القضائي مستقر على أن النشوز ليس حالة مستمرة ودائمة والزوجة الناشز تملك العدول عن النشوز، وإذا منعها زوجها من تسلم المسكن وجبت لها النفقة من ذلك التاريخ، وأشار إلى أنه يكون عدولها بالتصريح أمام دائرة التنفيذ أو بإقامة دعوى مستقلة لطلب النفقة، وفي هذه الحالة على المحكمة أن تتحقق من أن المسكن الذي جرى الكشف عليه سابقاً في سياق دعوى المتابعة لا يزال كما كان عليه.
وختم المحامي العلي: كما أنه في حالة وجود دعوى تفريق قائمة بين الطرفين فإن نشوز المرأة لا تأثير له في تحديد أسباب الخلاف بينهما أو تحديد نسبة المسؤولية من قبل المحكمين، وكذلك لا تأثير له على نفقة الأولاد ولا على استحقاقها لمهرها.
وأخيراً لا بد من القول: إن الحياة الزوجية لا تخلو من المشكلات والمنغصات، ولا يكاد يخلو بيت من ذلك، إنما يجب علينا التفكير بحل هذه المشكلات بروية وعدل وحكمة والتركيز على إيجابيات الطرف الآخر، والتفكير ألف مرة قبل اللجوء إلى أي تصرف لا تحمد عقباه، ولاسيما أن الزواج آية من آيات الله في خلقه، وغايته بناء أسرة مستقرة، قال تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”.. “صدق الله العظيم”.