الثورة – دمشق – عبير علي:
فردوس محمد نعمان- إحدى الفائزات المكرمات في مسابقة “هذه حكايتي ٢٠٢٣”- حيث بلغ عدد الفائزين سبعة عشر فائزاً من أصل ٥٧٠ متقدّماً.. وفي أجواء التكريم، قبله وبعده، تنتفض الذاكرة بكل الأحداث، فكيف انتفضت حروفها بعد اكتوائها بنار الفقد.
“الألم الذي هدّني كرّمني”
تقول السيدة نعمان: لم أتصور أن يكرّمني الألم.. على الرغم من أنني أعلم أنه حين يختارنا.. يجوهرنا وهو يدمينا.
لم أكن قد خططت للفوز.. ولم أكن قد سمعت عن المسابقة.. إلى أن ظهر المنشور وفيه تمديد للمسابقة، وفي الساعتين الأخيرتين من قبيل انتهاء المدة كتبت من دون أن أفكر ماذا أنتقى من حكاياتي.. تركت نفسي حرة وكانت الكلمات المليئة بالغصات تقودني، وكان أن انتهيت من الكتابة قبل الساعة الثانية عشرة من اليوم الأخير، وعلى الفور قمت بالإرسال، فصرت ضمن المتسابقين المشاركين.
وتضيف في لقاء لـ “الثورة”: نسيت أمر الفوز حتى جاءني الاتصال من قبل الوثيقة، وكان همي ودافعي الأول أن أفرغ بعض ذاكرة الألم، خاصة فيما يتعلق بالألم الأكبر في حياتي، مفقودي مطار الطبقة، كوني زوجة أحد الضباط الذين فقدوا هناك، وعشت لوعة تجربة الفقد بكل قسوتها على النفس والأسرة، فهذا الحدث هو المفصلي والقاسم لمسار حكايتي، والدافع الثاني إعجابي بفكرة أن توثق حكايات السوريين لكي لا يتلاشى جزء هام من تاريخهم أو يشوّه مع مرّ الزمن، ففي هذه المسابقة لا أحد يجبرك، بل أنت تشارك وتكتب طوعاً.
تقول نعمان: تمثل قصتي مختصراً شديداً لمسار محطات حكايتي بما علمتني تلك المحطات من عبر جعل لي فلسفتي في تجاوز الألم، وتتمحور القصة حول ثلاث أفكار جوهرية:
أولها، الفقد موجع وفقد مطار الطبقة بكل ما قدمه عناصره من استبسال ومصيرهم المجهول وجع لا يماثله وجع. وثانيها: أن القدر يرسل إشاراته لك ويلوح بمسار أحداث حياتك قبل أن تحدث، لكننا لا ننتبه حتى تحدث.
وثالثهاً: أصعب ما قد يعيشه المرء، هو أن يعيش ذروة الفرح وينتقل قسراً في التوقيت ذاته إلى ذروة الحزن، وهذا ما حدث أثناء سماعي خبر فقد مطار الطبقة، إنها لحظة فاصلة قاسمة تحتاج كثيراً من القوة والتجلد والإيمان.
أن تشعر بالفوز بهذه المسابقة، أمر مفرح محزن، فعندما تعيد استحضار قصتك، وتسمع القصص المؤلمة التي حدثت تحزن لما مر على بلدك، وحين ترى نفسك وهؤلاء المكرمين واقفين ثابتين متجاوزين ومكابرين تشعر بنشوة الفوز، وأن هذا الشعب عظيم.
بكل حفاوة واحترام وتنسيق عالٍ أعد فريق “وثيقة وطن”- المنظم للمسابقة، حفل التكريم في الخامس من الشهر الحالي الخامسة مساء في مبنى مكتبة الأسد في دمشق بحضور شخصيات مرموقة على جميع الأصعدة، وسبق الحفل استضافة في الفندق لضمان تواجد الفائزين بشكل مريح قبل الحفل، وفي أثناء الحفل كنت أقرأ الأسئلة المتولدة في أذهان الفائزين وأتخيلها: أيعقل أن يكون الألم الذي حسبته سيمزقني يوماً هو ما يكرمني اليوم؟ أكل هذا المقام اليوم من حفاوة، من أجل آلامنا!؟
وتابعت نعمان، كان للقاء الدكتورة بثينة شعبان- المؤسس لمؤسسة وثيقة وطن، أثر طيب في نفسي ونفوس جميع الفائزين، إذ حرصت على الاقتراب من الجميع وسماعهم وتهنئتهم وأصغت لآرائهم، في اجتماع خاص في مؤسسة وثيقة وطن؛ ليكون ذكرى طيبة في نفوس الفائزين الذين تنوعت محافظاتهم وقصصهم نساء ورجالاً، لتشمل مواجع السوريين على امتداد القطر، وكانت المسابقة المقامة في عامها الخامس مقسمة إلى فئات عمرية أربع، وتأتي ضمن ثلاثة مراكز لكل فئة، ويخضع التصنيف لواقعية القصة ومستوى تأثيرها في المجتمع السوري أكثر من براعته اللغوية.
والأمر الذي يشعر الفائز بالثقة ونزاهة المعايير ولذة الفوز، هو أن النصوص تُحكّم ضمن أرقام، ولا تحمل أسماء، وأن اللجنة المختارة على سوية ثقافية وأكاديمية وفكرية عالية على مستوى سورية والوطن.
في النهاية تقدمت نعمان بالشكر لأعضاء وثيقة وطن، ولجنة التحكيم ولكل من دعم مشروع “هذه حكايتي” الرائع على المدى القريب والبعيد، وكل من ساهم في هذا التكريم اللائق.. وأهدت فوزها لروح زوجها الطيبة، ولولديّها شركاء الألم وسرّ استمرارها، ولنفسها التي مازالت تختبر صبرها، ولوالديها الطيبين الذين علماها كيف تقاوم، ولكثير من الأصدقاء الطيبين.. بلسم الألم.