الثورة _ هفاف ميهوب:
من يتابع معارض الفنّ التشكيلي السوري، ولاسيما المميّزة باختيارِ المدهشِ من اللوحاتِ الفنية، لابدّ أن ينجذب إليها، ويتأمّل طويلاً فيها، ليشعر وبعد تأمله الطويل هذا، بما شعر به الفنان والناقد التشكيلي “عمار حسن” عندما قال: “الفنّ نعمة”..
“والفنان ليس القادر على الرسمِ وتصويرِ الأشياء مهما كان صاحب حرفة، بل القادر على صوغِ ذاته، التي تمتلك جموحاً للطيران فوق الأشياء عبر اللون، لإدراك ما هو أبدي وغائرٌ في العتمة والظلال والأضواء!”..
هذا ما يشعر به الفنان، الرائي لعمقِ الجمال في اللوحة التي يرسمها، والمتمكّن من جذبِ آفاق الرؤى إلى مضمونها.. الفنان الذي يتماهى في لوحته، ولا يمتلك المعرفة التي تفوق معارف الآخرين، بل المعرفة التي “تتملّكه كحقيقة وطاقة، فتأخذه فيها وتحوّله ممتزجاً بلونه وحريته ورهافة ريشته، المتعلّقة بحدوسه وبصيرته وعشقه، لكلّ جمال يتجاوز المرئيّ، إلى اللامرئيّ والأكثر جمالاً..”..
إنه مافعله “حسن” يقيناً منه، بأن “الفنان نتاج منتجه الفني”.. ذلك أن أسهل ما يفعله لتقديم لوحة جميلة، هو رسمها وإكمالها أو تعديلها، وهذا السهل يجعله “لا يتجاوز الصنعة والحرفنة العالية، ولا يبلغ الفن أو الحياة”..
هذا عن السهل لديه، أما عن الصعب الذي يميّزه كفنانٍ، هو جزءٌ من اللوحة التي تدلّ عليه:
“الصعب أن تُرسم أنت في الصورة، أن ترسمك الصورة فيها، فتكون في نسيج ضوئها ولونها وقبالتها، متأمّلاً ومشاركاً رؤيتك لها..!
الصعب أن تكمل الصورة التي تكتمل بها صورتها وصورتك، وذاك هو الفن أو الحقيقة.. الحقيقة من منظورك بتلك اللحظة، ووفق سوية وعيك”..
طبعاً، لا يقصد هنا بأن ترسم اللوحة مبدعها، من حيث جمالية شكله وأناقته، بل من حيث جمالية عمقه ووعيه وحضوره، وأناقة أفكاره ورؤاه وصدقه، وغير ذلك مما دلّت عليه كلماته:
“كما بعض الناس هي اللوحة، صورة عنهم أو مثلهم دون مواربة، بعض الناس من الضحالة بمكانٍ وكذلك اللوحة بعض اللوحات تتمتّع بجرعة عالية من الجمال والمعنى، وهكذا البعض، كما يمكن للبعض أن يكون غبياً وبلا حضور واضح، وهكذا تكون اللوحة أيضاً”…
ببساطة، لا يرسم “حسن” إلا اللوحة التي تمتزج به وتلوّنه. اللوحة التي يشعرها تخاطب مبدعها: “عندما لا تكون أنت، فما ترسمهُ في خانة الزيف”..
إذاً، هو يندمج في لوحته ويشعرها ترسمه وتلوّنه، تستنبط جمالها من عمقِ رؤاه للجمال، فتصيرُ مداه الشاسع، وألوان الحياة التي تسكنه بحبّ، هو لديه كما الفنّ، يكتمل عبر اتصاله مع ذاته والآخر والكون، فيقدم الحقيقي والأكثر، لحياةٍ تتدفّق بالمعاني، ولأفقٍ لاينتهي فيه تناغم الاتصال..