الملحق الثقافي- د . بتول دراو:
كثيراً ما يتردّد في الأوساط الأكاديميّة والثقافيّة أنّ الجامعات السوريّة تختصّ من بين الجامعات العربيّة الأخرى بالتدريس باللّغة العربيّة، وهو أمر يُحسب للجامعات السّوريّة التي عُرفت بالعلميّة والمسؤوليّة معاً …
إنّ اللغة مادّة التّواصل العلميّ والفكريّ والثقافيّ؛ وإنّ قدرتها على أن تقدّم المادّة العلميّة بنفسها يرفع من شأن اللّغة والعلم معاً، فاللّغة ليست عاجزة عن الإحاطة بمختلف الحقول المعرفيّة إلا أّنها تتطلّب استعمالاً في مختلف تلك الحقول، وفيما لو أثبتت حضورها في المجالات العلميّة والثّقافيّة فإنّ ذلك يُحسب لتلك العلوم التي تمكّنت من الحضور عبر هذه اللغة أو تلك، ممّا يعني أنّه لم تكن اللغة عائقاً في ذلك وفيما لو وُجد ذلك العائق لكان في الأفراد لا في اللّغة نفسها.
إنّ أهمّيّة حضور اللّغة في المجالات العلميّة والأوساط الثقافيّة لابد أن ينعكس في الحقول المعرفيّة والأوساط المجتمعيّة المتعدّدة وعياً وفكراً وثقافة، على اختلاف الشّرائح والمستويات المعرفيّة والعكس صحيح أيضاً، إذ إنّ اللّغة هي صورة المجتمع الذي يتكلّم بها وهي صوته في آن..
إلّا أنّ ما نشهده اليوم من تقصير في وعي أهمّيّة اللّغة يكاد يتّسع ويزيد، فالاتّجاه نحو العاميّة يزيد ويكاد يسيطر على منصّات التّدريس أو مناقشات الأبحاث العلميّة أو الندوات الفكريّة والثقافيّة؛ ممّا له أثره السّلبيّ في الجانب العلميّ بالدّرجة الأولى، فتفقد اللغة حيويّتها شيئاً فشيئاً لتحلّ محلها أنماط من طرائق التّواصل الأخرى كاللّهجات العاميّة أو اللغات الأجنبيّة، ولا نقصد من ذلك التّشدّد في الاستخدام اللّغويّ وإنّما نقصد أن تفصح اللّغة عن حضورها بالشّكل الأقرب إلى خصوصيّة اللّغة العربيّة، فهي ليست عاجزة عن التّعبير إلا إن أفقدها الأفراد ذلك بإهمالهم إياها، وهو ما كان فعلاً حيث التّهاون في التّعبير اللّغويّ العلميّ -الفصيح بحجّة صعوبة الفهم والتّواصل بين المرسِل والمرسَل إليه، وما من شكّ في أنّ غياب الاستعمال اللغويّ العلميّ – الفصيح يجعله في حالة خمول وسكون؛ فتغدو اللّغة غريبة في أهلها، ويفقد العلم لغةً علميّةً رسميّة فيعوض عن ذاك الفقد إمّا باستخدام العاميّة وإما باستخدام اللّغة الأجنبيّة، وإن كان حضور اللّغة الأجنبيّة إلى جانب اللغة الأمّ لا يقلل من شأنها، وإنّما هو تواز واشتراك لغويّ علميّ ومعرفيّ في آن…
وهو ما يعني أنّ حياة اللّغة باستعمالها وممارستها في الأوساط العلميّة والفكريّة والثّقافيّة بالدّرجة الأولى؛ وبالموازاة مع الجوانب العلميّة في مختلف الحقول المعرفيّة، وهو ما تستحقّه اللّغة العربيّة قولاً وممارسة وحياة.
العدد 1172 – 19 -12 -2023