الثورة – فاتن دعبول:
هو صاحب مشروع روائي مهم، وله منها حوالي 8 روايات، ولم يتوقف عمل مروان عبد العال عند الكتابة وحسب، بل أخذته السياسة إلى عالمها، فكتب من خلال معايشته لما يجري في القدس من صراعات وتدمير وتهجير، وهو الفلسطيني الهوى والمنبت، أخذته إلى الكتابة في السياسة والفكر والفن التشكيلي أيضا، فالجعبة ممتلئة وتحتاج لمزيد من الوسائل للتعبير عما يعتلج بداخله من آلام، كيف لا وهو المؤمن بأن للكلمة فعل الرصاصة، وللفن رسائله في التعبير عما يدور في فلسطين المحتلة.
وتشكل هذه الندوة بحسب د.حسن حميد، واحدة من سلسلة ندوات ضمن مشروع ثقافي للتعريف بالأدباء الفلسطينيين الذين أثروا المشهد الثقافي بأعمالهم، لكنهم لم يأخذوا حظهم من الانتشار ومعرفة الجمهور لهم، ففي كل شهر سيتم تسليط الضوء على علم من هذه الأعلام الثقافية الفلسطينية، وتقديم دراسات لبعض أعمالهم.
الثقافة والسياسة .. علاقة مشروعة
وفي حديثه للثورة، بين الروائي والفنان التشكيلي مروان عبد العال، من الأهمية بمكان تسليط الضوء على فن الرواية، لأنها ليست فقط توثق للتاريخ، بل هي رؤية أدبية وفنية وإنسانية للتاريخ بكل حركاته وتفاعلاته، وخصوصا إذا كانت شخوص تلك الروايات أناسا حقيقيين أو متخيلين جسدوا ذاك الإنتاج الإبداعي.
أما عن دور المثقف فيراه يقاتل على جبهة الكلمة، فإذا فشلنا في معركة الثقافة، كان الفشل في الحرب جميعها، وهنا يكمن دور المثقف الذي يساوي جيشا بأكمله، لأنه يقاتل على جبهة العقل والإرادة، فعندما تكون الثقافة صحيحة فالسياسة صحيحة، والمقاومة صحيحة، وهذا هو السر الكامن في الحروب جميعها.
وبين بدوره أنه استطاع ان يحقق المعادلة بين الثقافة والسياسة، لأنهما يغنيان الرؤية للأحداث، وعلى كل مثقف أن يكون سياسيا، وكل سياسي أن يكون مثقفا، فالثقافة التي تقترن ببعد سياسي يكون لها نكهة خاصة.
يكتب بجرح دامٍ
شارك في الندوة التي أقيمت في مركز ثقافي” أبو رمانة” د.حسن حميد الذي توقف عند واحدة من روايات مروان عبد العال” 60 مليون زهرة” وهي رواية مكتوبة في العام 2016، وتتحدث بإسهاب وتفاصيل كثيرة عن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة في العام 2014.
يقول د.حسن حميد: هذه الرواية كأنها كتبت اليوم ولما يجف حبرها بعد، فهي تتحدث عن غزة والأمكنة والأزمنة وعن الشهداء والجرحى والمشافي، تماما كما يحدث اليوم في قطاع غزة، ويتحدث فيها عن صلابة الناس والوقفات الثابتة وبطولات وتضحيات أهلنا في فلسطين.
ويبين أن مروان عبد العال، منذ تفتح وعيه وخبر أهمية الثقافة، أغرق نفسه بتجربة غسان كنفاني وجعلها الميدان الذي جرى فيه، والدرب الذي تبعه، والعشق الذي ساقه لتظهير الحال الفلسطينية بكل ما فيها، وبروح وخصوصية جديدة أهم ما فيها اشتغاله كما الكثيرين من المبدعين الفلسطينيين بأكثر من فن من فنون الثقافة “الشعر والرواية والقصة والمسرحية والرسم” في آن معا.
وفي عودته لرواية” 60 مليون زهرة” يقول هذه الرواية تقدم مشهدية مرعبة للحرب وما تفرخّه من خراب وموت وقتل وتشريد وفقد لكل شيء” للناس، للبيوت، للمدارس ودور العبادة، وللطعام وللفرح أيضا، وهي تقدم في الآن نفسه صور المقاومين وهم يتصدون للقوات الإسرائيلية بمطلق الشجاعة والإيمان والصبر.
ورواية” 60 مليون زهرة” تقوم على ما يرويه رواة عدة، يستنطقهم مروان عبد العال، وهم عازف الأكورديون المتجول، الذي يعبر عن مشاهداته عزفا، ونرى الجندي المجهول يروي بصمته سيرة الحرب وسيرته، ثم تأتي شخصية دليلة التي تروي سيرتها مع شمشون فتبدي لنا ثنائية القوة والجمال، أما زارعو الورد فيتحدثون عما حل بحقول الورد التي داستها جنازير الدبابات مرات ومرات، فقد كانوا يحلمون ببيع” 60 مليون زهرة” لكن البربرية الإسرائيلية محت أحلامهم وذهبت أدراج الرياح.
ويخلص د. حسن حميد إلى أن الرواية تزيح ستارة حرب 2014 على غزة، ومعاناتهم وهم يقابلون المحتل الإسرائيلي من 75 عاما عبر ثنائية يكتبها اثنان، الإسرائيلي الذي يدفع بثقافة الموت أينما حل، والفلسطيني الذي يتفلت منها كلما استطاع، صورة عمرها 75 سنة، وهي ما تزال ماثلة إلى اليوم، وصوت دليلة الصارخ ما زال ينادي” لقد أعطيتكم سر شمشون، أما آن الوقت كي تربطوه إلى حجر الطاحون .. ليجره!
مسكون برائحة بلاده
ويتوقف الناقد أحمد هلال عند رواية” ضد الشنفرى” التي يرى أنها رواية مركبة بامتياز، وهي تحيلنا إلى سيرة تلك الشخصية التاريخية والثقافية سيرة الشنفرى الشاعر الجاهلي الشريد، وقامت هذه الشخصية بدور الراوي، فكانت الشخصية الرمزية الرئيسية في الرواية، ونذهب مع هذا الشبيه إلى وطن افتراضي وهو” شلومو” الجزيرة التي تستقطب المهجرين العرب وسواهم، وفي هذه الجزيرة يوجد جنرال اسمه بلفور لمراقبة الناس والتجسس عليهم، ولتحقيق أهدافه اخترع لقاح سمي” شلومو” وهو لقاح ضد الهوية.
ولكن الشنفرى المسكون بهويته وبرائحة بلاده، يدرك أن هويته لن يستطيع أحد اختراقها، وهي هوية كل الذين يشبهونه من سكان المخيمات والأحياء المهمشة وضحايا الحروب، أبناء الموت والحصار والعذابات والدمار.
ويستطيع الروائي مروان عبد العال في روايته “ضد الشنفرى” أن يعلي من شأن جدلية الحب والحرب، من خلال شخصيتي هند وشبيه الشنفرى، عبر التقابل بين المفهومين، ويتساءل” كيف تغدو المعركة عرسا والشهيد عريسا وفلسطين عروسا والجنازة زفافا والتضحية بالروح فعل حرية.
ويصل هلال في بحثه هذا إلى أن الكاتب أراد لحكاية شخصيته الرئيسة أن تكون حكاية الضمير الجمعي بسرد الأدب المقاوم، رواية تنهض على مرجعيات ثقافية باذخة من الرعب والجرأة، وإعلاء شأن أسطورة البقاء على قيد الحياة، أي الانتصار.
وفي نهاية الندوة قدم بعض الحضور مداخلات تضمنت اعترافا بدور الروائي مروان عبد العال وأن صوته لم يكن خافتا يوما، ففي نتاجه الروائي وكتاباته ورؤيته الوطنية يعبر عن صوت كل فلسطيني وكل عربي يعشق الحرية.