الثورة – دمشق – فاتن دعبول:
حملوا الوطن في قلوبهم حباً ووفاء، وجمعتهم الكلمة والشعر في أمسية من نوع آخر، فقد آمنوا بأن في البدء كان الكلمة، وللكلمة فعل السحر، ويفوح منها عطر المحبة والوفاء تارة، وتارة هي الرصاصة التي نطلقها في وجه أعداء الكلمة والحب والسلام.
غزة الأحرار
فقد احتفى مركز ثقافي أبو رمانة بالأمسية التي ضمت فرساناً أربعة، وقدمت للأمسية الشاعرة بيداء الحمد، بدأتها الشاعرة وفاء دلا، وقد ضمنت قصائدها الكثير من الحب والتضامن مع أهلنا في غزة، فكان صوتها يعبر عن الألم الذي يعاني منه أطفال غزة، ونبرة الغضب ضد العدو الغاصب كانت تجلجل في صوتها، تقول في قصيدتها “غزة يا ثوب الشهادة”:
القدس تصرخ والضمائر في صمم، ما اهتز من وقع المواجع ذا الصنم
وجراحه ممزوجة دمع ودم، لله در مجاهد برّ القسم
لبس الردى ثوب الشهادة واقتحم، ليرف للأيام في بطل علم
واليوم غزة تنتضي صدق الهمم، رغم الذي قد كابدته من الألم
يا غزة الأحرار أبهرت الأمم، وصنعت للأجيال مجدا والشمم
ورود مبعثرة
ولأنه كان يرى في الشعر رسالة نوجهها إلى جمهور المتلقي، جعل الشاعر الدكتور بيان السيد من قصائده أيقونات، هي انعكاس لواقع ينبض بالحياة والأمل، فالشعر بالنسبة له رسالة ومضمون، وهذا المضمون لا يحلق بدون مقومات الشعر الأساسية من كلمة وصورة ووزن وقافية وهي الركائز التي يقوم عليها الشعر.
أما كيف يرى المشهد الشعري في الوقت الراهن، فيقول: إن الأدب انعكاس للواقع، وطالما أن الواقع ليس في وضعه المثالي، فالشعر أيضاً يمر بمحنة كما تمر جميع أنواع الفنون والمجتمع أيضاً في محنة، لكن يبقى الأمل وتلك البقع النيرة المتناثرة هنا وهناك التي تنير ذاك الظلام الدامس الذي نعيشه.
ويضيف: علينا أن نجمع تلك الورود المبعثرة وتقديمها في باقة واحدة، وذلك بتضافر جهود الشعراء والجهات القيّمة على المشهد الأدبي لنسير خطوات إلى الأمام، ونحسن الواقع، ونوقد الشمعة التي نتمنى أن تظل متقدة دائماً.
يقول في قصيدته التي عنونها “خريطة”:
كيف الخريطة بدلت ألوانها شيئاً فشيئاً، وارتدت قوس القزح، هات القدح، وافرح بلونك، مايزال لديك لون الفرح
وتأمّل الأيام، تنبئك الجواب بلا سؤال، مهما تقطعت المعابر بين أكتاف الجبال،
أنت الأديم، ودرب من مروا إلى خط الزوال، فاحفظ خريطتك التي نقشت بفسحة مقلتيك
وغض طرفك، لا تشوه ناظريك، ولا تفكر بامتداد الحرب أو أمد القتال
تلك الخريطة لن يغيرها جنون واحتلال، والقادمون إليك من ظمأ المشارب، راحلون.
من بحر الحياة
وتوقفت الشاعرة طهران صارم عند أهمية الشعر ورأت فيه أن الشكل التعبيري الأكثر قدرة على ترجمة حالة الفرد والمجتمع، وأنه لطالما تصدى الشعراء للقضايا الإنسانية الكبرى التي تشغل حيزاً كبيراً من وجدان الجماعة، فنرى الشاعر يكتب الشعر الحماسي في حالات الحروب والنزاعات ويميل قلمه لمناصرة الحق.
ونراه يعالج قضايا المجتمع ومشكلاته عندما يعاني من أزمات، سواء كانت اجتماعية أم إنسانية وغيرها، وهو في النهاية ابن بيئته، وغالباً ما تترك هذه البيئة أثرها في طريقة تعبيره، سواء من حيث اللغة وبناء القصيدة، أو الصور التي يعتمدها، فهو يصطاد مفرداته من بحر الحياة التي يعيش فيها، وتكمن براعته في طريقة ترتيب هذه المفردات بلوحة جمالية تحمل معاني وأهدافا تخدم ما يلم بالناس والمجتمع.
تقول في قصيدتها:
إن كان وعدك أن أموت، فأنا بأرضي راسخ، ودمي لها مطر سيسقي عشبها
وهنا ستنبت ألف روح، وأنا وطفلي وكل أهلي، نمضي إلى أجل الخلود
لا سكينك القاتل ولا صوت رصاصاتك ولا وجعي ولا موتي سينهي حلم أجدادي
هنا أرضي، هنا زيتون أحبابي، وكل حجارة الطرقات، تعرف وقع أقدامي،
فعد من حيث ما جئت، فهذي الأرض طاهرة، ستلفظ بذرك الفاني، ستلعن وجهك القاتل.
بضع من الروح.
وقدمت الشاعرة بيداء الحمد مجموعة من قصائدها التي ضمنتها بضعاً من روحها، وفي قصيدتها “اشتياق تقول”:
ليت لي أرض، تسقط عليها الكلمات، ليترنم بها عشاق اللغة، لتصبح أغنيات
لن أغفر غياب كفك عن كفي، أحتاج أن أضمها، كحديقة تكتظ بالزهور، ترتب لخطواتنا طرقا تليق بها
تترنح كيف نشاء، على أمواج الخطى
هذا الصباح، أحمل أوجاع الأرصفة، وكل من مر عليها مثقلا بالهموم، كل الشوارع خالية من اليقين
كأغنية ضاعت ألحانها، أفك أزرار قهري، وأرتدي قميص الأمنيات، أحمل هموم البلاد، كل الباقي من البلاد.