الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
عامٌ مضى يحمل في طيَّاته حزناً وألماً ودماءً روت أرض فلسطين الحبيبة لتبعث عملية «طوفان الأقصى» مشاعر الفرح والسعادة الغامرة بالبطولة المُشَرِّفة للمقاومة الفلسطينية على العابر الغريب؛ لكنَّ ما آلمنا الدماء الغزيرة الهاطلة فوق ثراها من أبناء الأرض الحقيقيين ومن «الإعلاميين» في سبيل إعلاء كلمة الحق وإحراز النصر، ما كان له وقعٌ محرقٌ في النفوس أبكت الإنسانية على الأجساد البريئة المتناثرة أشلاء على الأرض المقدَّسة.. فماذا حدث، وماذا تحقَّق من طموح خلال العام الماضي؟ أسئلة للإجابة عنها لا بدَّ من الالتفات قليلاً إلى الوراء لنسوق شواهد من فم الأيام؛ ذاكرين ما أعدَّته الموضوعة للعام القادم.
فاتحة الأشهر
الباحثة الدكتورة نجلاء الخضراء رأت بأنَّ الرومان أطلقوا على الشهر الأول من العام «يناير» كناية عن اسم إله البدايات Jarus، للإشارة إلى أنَّ الشهر نفسه فاتحة وبوَّابة جديدة لأمل جديد، ويدعى في بلاد الشام كانون الثاني المشتق من اللغة السريانية من فعل «كَنَّ»، أي الثبات والاستقرار فيلجأ المزارعون للاستقرار والثبات فيه لتهيئة الخطط الزراعيَّة ومراجعة دروس السنة الفائتة قبل الانطلاق إلى الزراعة ليكون الحصاد وفيراً.
وأشارت الباحثة الخضراء إلى أنَّنا نسدل الستار على أيام مضت؛ وأحداث ستكون ذاكرة تمتدُّ عبر الأجيال، وتُحدِّدُ أهداف الأيام القادمة لتكون شعلة العطاء وطاقة لاجتياز العقبات وإنجاز الطموحات بقلبٍ ينبضُ بالأمل وعينٍ تنظر إلى المألوف بطريق غير مألوف، لافتةً بأنَّ الأيام تمضي سريعاً ويبقى الأثر الطيِّب بما قدَّمناه من دراسات ومقالات تحدَّثت عن الإرث الثقافي وتطوير الذات من خلال التأكيد على الهوية والاعتماد عليها في بناء المستقبل والاعتزاز بثقافتنا العربية والكفاح من أجل ترسيخ صورة حضاريَّة وموروث أصيل يضعنا على سلّم التميُّز في الخريطة الإنسانيَّة، خاتمة حديثها عن ما نشرته في العديد من المواقع الإلكترونية والمجلات الثقافية والصحف اليومية كان آخرها الملحق الثقافي لصحيفة الثورة، ما ساعدتها على دفع رسالتها وتوسيع آفاقها على أن تبقى سوريَّة حُرَّة أبيَّة، وأملت أن تشرق شمس الحرِّيَّة على أرض السَّلام مدينة العزَّة ويعمَّ العالم الأمن والاستقرار.
ويمضي قطار العمر
كما أشار الدكتور عصام الدكشوري إلى أنَّ عجلة الزمن تدور، وقطار العمر يمضي، وأيام الحياة تمرُّ، ففي تعاقب السنوات ودوران الزمن نعمة وعبرة.. عامٌ يطوي سجلَّه ويختم عمله المليء بالتحديات؛ لنستقبل عاماً جديداً مُشرقاً بالآمال، مُنوِّهاً بأنَّ النفس تستحقُّ بعد كلِّ سنة تقطعها من الحياة أن تُعيد النظر فيما أصابنا من إخفاقات ونجاحات، وأن نعمل على توازنها واعتدالها كلما رجَّتها الأزمات ونطوي كلّ ما خلَّفته من آلام وفشل، فننظر لها بعين مشرقة متلألئة بأنَّ القادم أجمل، لا سيَّما الدوران عبر تعاقب الليل والنهار والفصول والسنوات نعتبره سُنَّةَ الحياة.
وأبدى الدكتور الدكشوري أمله بأن يكون العام القادم عامراً بالخيرٍ والبركة والسلام والوئام على وطننا سورية، وعلى الأمتين العربية والإسلامية يُنصر فيه السلام، وتظلُّ راية الوطن عالية خفَّاقةً بالأمن والأمان والاستقرار بين شعوب الأرض المُحِبَّة للسلام والنصر.
منظومة مؤسساتية
وعبَّر التشكيلي خالد جازية عن مدى حاجتنا الماسَّة في أيامنا الراهنة إلى منظومة مؤسساتيَّة تبحث عن الإبداع وترعاه، وتكون داعمة حقيقيَّة لكلِّ كتابات فنِّيَّة إبداعيَّة تُقدِّم مضامين فكرية لها غايات نبيلة ترتقي بالفرد فكرياً وإنسانياً وأخلاقياً من خلال ما يُقدِّمه النتاج نفسه من قضايا تبحث عن الإنسان الحقيقي، القابع داخل كلّ فرد في مجتمعنا ينفض الغبار عن الجمال في أعماقه كي نرى حلاوة فكره وإحساسه ونسمو ونرتقي، إضافة إلى ما يُقدِّمه من وجبات إبداعية جادَّة تناقش قضاياه، وتُسلِّط الضوء عليها، وتكون على قدر كبير من المسؤولية كي تخاطب عقله ووجدانه وتسعى للارتقاء بتفكيره ومستوى وعيه لبناء مجتمع أساسه وقوامه فرد يعتبر نواة أساسيَّة ورئيسة ليكون قادراً على مواجهة تحديات وصعوبات تعترضه ولن يتحقق إلا بتطوير أدوات ومنهج المنظومة المؤسساتيَّة ذاتها، كما أكَّد على ضرورة العمل لتطوير ودعم المشهد التشكيلي الإبداعي الجاد من خلال بحثها الدؤوب عن كلِّ نتاج إبداعي يمتلك قيماً جماليَّة وفنيَّة ترتقي بالفكر والإحساس، وتكون قادرة على الخلق والتطوير؛ وليست مؤسسات تسعى للكمِّ أو للنوع كما يحصل اليوم من غزارة في إقامة المعارض هنا وهناك دون السعي الحقيقي للبحث عن السويَّة الفنيَّة الإبداعيَّة بما يُقدم من نتاج فني «لا يُعمّم القصة» في أغلبه ولا يرتقي إلى مستوى العمل الفني الإبداعي، واعتبرها مجرد تجارب تكون غير مدروسة من الناحية الفنية والمالية في أحيان كثيرة؛ لكنَّها تُقدّم على حساب الأعمال الإبداعيَّة الحقيقيَّة ويعود لعدة أسباب أهمّها:
غياب الناقد الحقيقي في المؤسسات ولا بدَّ أن تكون هناك مؤسسة حقيقيَّة وجادَّة في تبنِّي ورعاية الفنان المبدع ونتاجه، وأن تقدُّم له الدعم الحقيقي لتذليل جميع المعوقات سواء أكانت مادية أم معنوية كي لا تقف حجر عثرة أمام تطلعاته وأحلامه وطموحاته، وبدورها تجعله عاجزاً عن تحقيق بعضٍ منها، فالفنان إنسان بالنهاية، وجزء لا يتجزَّأ من نسيج مجتمعه، ولكلِّ فنان رؤاه وطموحاته وتطلعاته يسعى إلى تحقيقها، مُبيِّناً بأنَّه كفنان لم يستطع تحقيق بعض من التطلعات لعدم قدرته في الاستمرار بمشروعه الفني لأنَّ أيَّ مشروع إبداعي بحاجة إلى مناخ مناسب و دعم مادي ومعنوي كي يظهر نتاجه إلى النور، فالتحديات المواجهة للمبدع كبيرة جداً إنَّها في حالة صراع حقيقي ومنولوج داخلي بين الحياة الاقتصادية والمعيشية من جهة، وما يحمله الفنان من مضامين فكرية وتطلعات يريد أن يحققها في أخرى، فالصراع معادلة صعبة ومعضلة نواجهها على الصعيد الشخصي اليوم.
حفيف أشجار الزيتون
بينما الشاعرة والكاتبة أسمهان حلواني يراودها حلم مُتكرِّر طيلة عامين، مضمونه: حفيف أشجار، وأرض خصبة رطبة، وصوت رخيم آتٍ من السماء يقول: ابحثي عن المدفون تحت شجرة الجوز.
في البداية بدأت تبحث و لم تجد سوى الزيتون لكن وبعد استقصاء وجدت نفسها في ساحة صغيرة قريبة من المسجد الأقصى «وليس قبة الصخرة»، واقفة تحت أغصان شجرة جوز مُعمِّرة تُناظر الأرض من تحت قدميها.. عرفت بعدها رمزيَّة الحلم وأخذت أمنياتها تتضاعف لاسترجاع ما سُلب، مُتسائلةً عن أسباب ذكره الآن؟ وتقول: ربَّما لأنَّ الجميع يحتشدون لتسجيل أمنياتهم على جدران الرجاء قبل عبورهم إلى عام جديد يحمل جداراً أطول من يتحضَّر للأمنيات القادمة.. في طفولتها كانت تنشد السلام ومازالت لكنَّها عرفت اليوم أنَّ سلامنا مُدمى ويحتاج كثيراً من الأضحيات ووعيت لروعة بيت شعر ترعرعت عليه تحفظه:
و للحريةِ الحمراء بابٌ
بكلِّ يدٍ مُضرَّجةً يُدَقُّ
كما أبدت الشاعرة حلواني بأنَّه لو قَُدِّر لها اليوم أن تتلو أمنياتها لما أسهبت كثيراً فكلها مُحقَّقة عندما تتحقَّق الحرية بشكلها المثالي والحقيقي، ورأت بأنَّ بلادنا خطت على صفحة الزمن لأعوامنا الماضية الكثير بعد حرب طاحنة استهدفت كلَّ جمال في سورية كان إلى جانب كلِّ سطر هامش كبير من التحديات تفوق كلمات ما خطَّ على السطر من إنجازات.
فيما تابعة قائلة: إنَّه لا عجب فكلُّ فعل مقرون بآخر معاكس يساويه في القوة ويعاكسه؛ وتخطُّ اليوم على صفحة عامها الجديد أمنية كبيرة بأن تزول التحديات الصعبة ليحظى أبناء وطننا بما يستحقونه وبجدارة لحفاظهم على وطنيَّتهم الشامخة وقوميَّتهم الأصيلة رغم ما قوبلت به من إنكار أن تزدهر، لأنَّنا نحظى بأنفاس طويلة تحرق الزفرات الموجعة وبشهيق يفوح بالياسمين.
أمَّا «شهيد، زفير» المزدحم في أنفاس غزَّة، فأمنيَّتها أن يتجلَّى من أجله رحمة الله، وأن تُحلِّق العنقاء في سمائها بعد أن ثار الرماد، وأوقد الجمر، وتحمل مع أطفالها ملائكة السماء ليرفرف علم فلسطين
العدد 1173 – 9 -1 -2024