الثورة – ديب علي حسن:
يقولون الكلمة كما الطلقة متى ما خرجت لا يمكن إعادتها وتوجيهها، فقد تصيب مقتلاً وتترك أثراً قد لا تحمد عقباه.. من هنا كان التأني في إطلاق الكلام أو المواقف ونشرها.. في عملنا الصحفي يجري ذلك كثيراً.
وفي تجربتي المتواضعة بحوارات المبدعين ممن أتيح لي شرف محاورتهم كنت حريصاً على أن أكتب على الورق وأسجل من باب الاحتياط، وأحياناً كنت أطرح سؤالاً ربما تكون الإجابة عليه محرجة، وقد جرى ذلك مع الشاعر الكبير سليمان العيسى “رحمه الله” حين سألته عن موقف ما.. فقال: أرجوك سوف أجيبك ولكن ليس للنشر، وقد أجابني طبعاً والأمر يتعلق بموقف بعض الأشخاص من شاعرنا وما سبب ذلك.
بدوره فاخر عاقل “رحمه الله” حين سألته: لماذا لست عضواً في مجمع اللغة العربية، ابتسم الرجل وقال: أوقف التسجيل لأجيبك وفعلت ذلك.
كذا الأمر مع الراحل أيضاً سهيل زكار.. والراحل ناظم الجعفري الذي كاد يحطم كاميرا زميلنا زياد الفلاح ويمزق ما كتبته.
ومن باب أن التسجيل ضمان وأمان حاورت شخصية مرموقة فكرياً وسألته عن المرأة الذكية والجميلة، فقال: أفضل الجميلة على الذكية، رددها أكثر من مرتين وتمنى علي أن أضع ذلك عنواناً، فعلت ما تمنى.. ولكن في اليوم الثاني اتصل محتجاً على العنوان فما كان مني إلا أن أسمعته التسجيل وما تمناه علي.
أعادني إلى هذا العنوان مقال نشر منذ فترة في الأهرام المصرية يتحدث عن حوار أجراه صحفي مصري، ورفضت جميع الصحف والمجلات نشره حينها، وظل ربع قرن حبيس الأدراج حتى نشر عام ٢٠٠٥م، والحوار ليس على هذه الدرجة من الحساسية حتى لا ينشر.
والسؤال الآن: هل بقي شيء لا ينشر حتى الكتب التي كانت تمثل محظوراً يجب تداركه هي الآن متاحة، ربما نشهد فورة نشر لدراسات، وكتب ومقالات كان نشرها محرجاً ذات يوم، لكن الفضاء الأزرق يلتهم كل شيء ويتسع له ويبعده أحياناً عن المساءلة لأنه بلا قيود وضوابط.