كأننا استعجلنا قليلاً في تعميم إلزامية الدفع الالكتروني، وخلطنا بين السرعة المطلوبة والتسرّع المرفوض.
فالمسافة الزمنية الفاصلة بين القرار القاطع الملزم بالتحوّل والموعد المحدد لإنجاز المهمة – الحسم- كانت قصيرة جداً، ولم تكن مهلة بل أشبه بالإنذار، وها هي النتائج بدأت بالظهور على شكل ارتباك اعترى المؤسسات المعنية بتقديم خدماتها الكترونياً، وبالتالي المواطن متلقي الخدمي، والجميع اليوم يدور في حلقات مفرغة.
التحول الرقمي عموماً – والدفع الالكتروني جزء منه – استحقاق، واستحقاق راقٍ أيضاً لكنه يتطلب جهوزية البنية التحتية ومتمماتها، من شبكات وتجهيزات وكوادر، ويبدو أن مؤسساتنا لم تكن جاهزة كفاية.
فمثل هذا التحول النوعي والاستثنائي إلى حد ما، كان يتطلب وضع أجل زمني كافٍ لإنجاز الاستعدادات كاملة، فإطلاق المشروع مع بداية العام 2024 كان يتطلب الإعلان عن ذلك قبل عامين، أي منذ بداية العام 2022، خصوصاً وأن المعاناة الأبرز في بلدنا تنتج عن الفجوة التقنية التي نتجيت عن ضياعات المتابعة وتأخر توريد التكنولوجيا والمعدات بسبب الأزمة، إضافة إلى هجرة الكوادر التقنية الخبيرة، ونذكر أن معظم الدول أشرعت أبوابها أمام هجرة كوادر اختصاصين مهمين وهما مهندسو المعلوماتية والأطباء، وكأن ذلك كان جزءاً من الاستهداف المبرمج لهذا البلد.
الآن لا تراجع عن الخطوة، ويجب ألا نتراجع عن مشروع إيجابي بدأناه، لكن لا بأس بتمديد مهلة إتمام التحول المطلق إلى الدفع الالكتروني لستة أشهر قادمة، بل والواقع أن المهمة لن تُنجز عملياً قبل أشهر، حتى لو أبرقت بعض المؤسسات للحكومة تُشعرها بإتمام الأمر، تبقى المعاناة الصامتة حقيقة واقعة.
هناك كثيرون لم يتمكنوا من دفع الفواتير، لأنهم لم يهتدوا إلى طريقة سلسة للدفع، في ظل رداءة خدمة الأنترنت.. إضافة إلى ارتباك كوادر المؤسسات وتعثرهم بأدوات سيئة لا تحقق أي قيم مضافة في مشروع وطني كبير كهذا.
من المهم أن نكون مرنين في مثل هذه الظروف الخاصة، والدفع الالكتروني مشروع وطني كبير، ويستحق الكثير من الاستعدادات والترتيبات.. والإنفاق أيضاً..
فالمطلوب مرونة التحول، وإنجاز متأنٍ وهادئ لأننا نؤسس لبنية مستدامة بعيداً عن مجرد رفع العتب.
نهى علي