يكثر الحديث عن دور الشباب وهذا أمرصحيح ولكن التمييز بين دور الشاب بحالة عمرية شيء وتحدي الانتقال من جيل إلى جيل أمر آخر، فالانتقال من جيل فكري وثقافي ومعرفي واجتماعي هو دور يقوم به الجميع -أي المجتمع- بكليته كباراً وصغاراً فهو انتقال يقوم به جيل فكري وليس جيل عمري لأنها مسألة مرتبطة بالوعي وطريقة التفكير وذهنية الفاعلين والظروف التي تمر بها الأمة والتحولات الكبرى على مستوى العالم فعملية الانتقال من جيل لجيل مسألة يساهم فيها الجميع والكتلة الحيوية في المجتمع فالجيل هنا هو طريقة تفكير وقراءة للواقع برؤية جديدة وهنا يجب التمييزبين أهداف وضعت في جيل سواء تحققت أو لم تتحقق لأسباب بعضها ذاتي والآخر موضوعي وأهداف تحققت وأنجزت، فثمة أهداف تصدى لها جيل وربما أطلقها ولم يكن بالإمكان تحقيقها ،وهنا يطرح السؤال حول أسباب عدم تحقيقها وهل بالإمكان توجيه النقد للأهداف ذاتها أم للأدوات والقوى التي فشلت في تحقيقها حينذاك تصبح المهمة أمام الأجيال الجديدة بالسعي لتحقيقها عبر مقاربات برؤى وآليات وطرائق أخرى حتى لا يعاد إنتاج الفشل، وبالتالي الدوران في حلقة مفرغة من هنا يطرح السؤال أمام الجيل الجديد كيف يمكن له أن يستفيد من تجربة جيل سابق بالنجاح أو بالإخفاق .
إن ربط عملية التطور وحصرها بقيادة الشباب لها ليست دقيقة ،ونعطي أمثلة كثيرة على ذلك فمعظم القيادات في منطقتنا العربية ولاسيما الدول التي رفعت شعار الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية كانت قيادات شابه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين ،ومع أنها قيادات شابة عمرياًومع أنها نجحت في تحقيق بعض الأهداف إلا أنها أخفقت في تحقيق أهداف كبرى، كهدف الوحدة أو الحرية بمفهومها الواسع وكذلك التنمية المطلوبة أو إقامة دولة قطرية قوية قادرة على حماية نفسها والتحرر من سطوة الخارج ،فالمسألة من وجهة نظرنا تعود لطريقة التفكير والمقاربات والأدوات والذهنيات وليس للجيل العمري بوصفه جيلاًعمرياً، وهنا تصبح عملية الإصلاح الشامل ونقد التجربة وإعادة النظر ببعض الأهداف وطريق مقاربتها هي المطلوبة والضرورية ،وكذلك الانعتاق من الايديولوجية الصلبة والعقلية المتحجرة وفتح مسارات ورافد للحوض الوطني هي المطلوبة والمخرج السليم والصحيح وكذلك عملية الانفتاح الواسعة على القوى المجتمعية والسياسية والمجتمع المدني وكلّ الفاعلين الأساسيين في المجتمع من نخب وغيرها .
إننا جيل ورث عن جيل سابق وأجيال سابقة منظومات تفكير وثقافات ووقائع وحقائق لايستطيع أحد إنكارها، فثمة سياقات يجب أن توضع أمام القارىء حتى يتم أخذها في الاعتبار للحكم على أداء الأجيال منها، وهذه مسألة على درجة من الأهمية من منظور نشأة الكيانات السياسية فيما يتعلق بالحالة العربية على مستوى الأمة ومستوى الأقطار ولابدّ من أخذها بعين الاعتبار، وتتمثل في أننا كنا أمة موحدة واحدة على مدار مئات السنين وبحالة إجماع تحول بعد الحرب العالمية الأولى أو بالأحرى زرع بفعل خارجي تحت مسمى دول قطرية فتحولنا من أمة بالمعنى الجيوسياسي والتاريخي إلى أمة وجدانية أمة مشاعر وعواطف وتعاطف فالدولة القطرية لم تكن نمواًطبيعياً لحالة الاجماع التي تشكلت عبر مئات السنين بل كانت نبتاً وغرساً بأياد خارجية أجنبية ثم أثمر بعد ذلك كيانات كان لابدّ من التعامل معها كواقع قائم وليس بوصفها حقيقة تاريخية وسياقاً طبيعياً من هنا كان رفض هذا الواقع عبر أهداف كبرى لا يكفي فلابدّ من اجتراح رؤى وآليات عملية وواقعية ومصلحية تعيده إلى أصله عبر عملية توعوية واسعة الشبكات العابرة للحدود، وهنا يمكن للشباب المتمكن من أدوات العصر من القيام بهذا الدور عبر وضع أرضية له عبر جماعات اقتصادية وثقافية وأصحاب رؤوس أموال، تعمل بالتشبيك مع بعضها البعض عبر مشاريع اقتصادية ومصالح متبادلة لا تستدعي بالضرورة تغيير منظومات الحكم والهيكلية السياسية للدول فيبقى الجمهوري والملكي والأميري ،ولكن يتكرس واقع علاقات اقتصادية وشبكة مصالح تفيد الجميع فيحصل تفاعل داخلي متماسك يعزز من حالة الاجماع التي كانت سائدة قبل استيلاد الدولة القطرية ويدفع باتجاه الاطار القومي الواسع بالضرورة والحاجة والمصلحة فتتحررالمسألة من الهوى السياسي والايديولوجي ويصبح لها ايقاعها الخاص إضافة إلى انحسار وتلاشي العامل الخارجي لمتانة وقوة الدينامية الداخلية الفاعلة والحاكمة والمتحكمة بالإيقاع العام .