الثورة – دمشق – علاء الدين محمد:
الجوهر الأساسي لليبرالية هو حرية الفرد وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد، لذلك نجد الجذور التاريخية لليبرالية في الحركات التي جعلت الفرد غاية في ذاته، معارضة في كثير من الأحيان التقاليد والأعراف والسلطة، رافضة جعل إرادة الفرد مجرد امتداد لإرادة الجماعة.
بهذه الكلمات بدأ عبد الكريم ونوس محاضرته في ثقافي أبو رمانة تحت عنوان (الليبرالية الحديثة)، مشيراً إلى أن أهم ما يميز الأدبيات الليبرالية الكلاسيكية المعارضة، هو اهتمامها المفرط بمبدأ الحرية، حيث يفترض الفكر الليبرالي أن الحرية هي الغاية الأولى والرئيسية التي يتطلع لها الفرد، وهناك مجالات متعددة لليبرالية.
أولاً: الليبرالية السياسية، وهي فلسفة سياسية ظهرت في أوروبا في أوائل القرن التاسع عشر تعارض المؤسسات السياسية والدينية التي تحد من الحرية الفردية، وتنادي بأن الإنسان كائن غير عقلاني وتطالب بحقه في التعبير، وتكافؤ الفرص، والثقافة الواسعة.
ثانياً: الليبرالية الاقتصادية، وهي مذهب اقتصادي يرى أن الدولة لا ينبغي لها أن تتولى وظائف صناعية ولا وظائف تجارية ولا يحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية، والليبرالية الاقتصادية وثيقة الصلة مع الليبرالية السياسية، ويعتقد الليبراليون أن الحكومة التي تحكم بالحد الأدنى يكون حكمها هو الأفضل، ويرون أن الاقتصاد ينظم نفسه بنفسه، إذا ما ترك يعمل بمفرده حراً وأبرز النظم الاقتصادية الليبرالية هو نظام الرأسمالية.. وهو حرية حركة المال والتجارة وحرية العمل وحرية التعاقد وحرية ممارسة أي مهنة أو نشاط اقتصادي آخذاً من الشعار الشهير (دعه يعمل دعه يمر).
وأوضح أن الذي يحكم قواعد اللعبة الاقتصادية وقيمها هو سوق العرض والطلب من دون أي تقييد حكومي، ولكن المفهوم الليبرالي تغير وبرزت الليبرالية الجديدة على السطح بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة والكساد وذلك لتمركز رأس المال وظهور الاحتكار وانهيار قاعدة الصرف بالذهب وأزمة الثورات العمالية في ألمانيا، فتغيرت الإيديولوجية الليبرالية إلى القول بأهمية تدخل الحكومة لتنظيم السوق وبهذه المرحلة تغيب شمس الليبرالية الكلاسيكية، فقد أبطل الواقع فكرة إصلاح السوق لنفسه لتبرز إلى السطح الليبرالية الجديدة وبقوة، ولعل أبرز تطور جديد في الليبرالية المعاصرة هي ليبرالية العولمة، لافتاً أن الاقتصاد أصبح وسيلة سياسية للسيطرة ولهذا فالأقوى اقتصاديا هو الأقوى سياسياً وجزر العولمة الفكري هو انتفاء سيادة الدول على حدودها ومواطنيها، فضلاً عن عدم سيطرتها على النظام الاقتصادي الحر، الذي كان يطالب به الليبراليون الكلاسيكيون.
والعولمة مبنية على نظرية اقتصادية، الليبرالية الحديثة، والتي بدأت تتطور منذ حوالى الخمسة عقود بشكل تدريجي وخبيث على مبدأ السرطان لذا يسمى خبيثاً، لأن الإنسان لا يشعر به بداية كونه يتطور تدريجياً.
– انحلال أخلاقي..
وبين أن أساس منهجية الليبرالية هو تسويق الانحلال الأخلاقي بشكل كامل، وفصل الإنسان عن أي مبادئ أو قيم أو انتماءات أو عقائد من أجل الوصول لأهدافها، مثال: الزواج المثلي، وفكرة أن الطفل لايختار دينه بنفسه، وأن هذا تعد على حرية هذا الشخص، أي يولد من دون دين ويختار دينه فيما بعد، المخدرات على اعتبار أنها ليست ضارة وأصبحت تباع بشكل قانوني وعلني في المتاجر.. إن الطفل يولد لا ذكراً ولا أنثى، وبالتالي رغبات الفرد هي الأساس لا الأسرة ولا المجتمع الأكبر، أي انسلاخ الفرد عن هذه القيم هو منهجيه الانسلاخ عن الأسرة والانسلاخ عن الوطن، فهو لا ينتمي إلى أي شيء بل ينتمي لنفسه في الداخل فقط.
هم يسوقون أن هذه العقيدة هي ليست عقيدة هي ترفض العقائد ولكن الحقيقة هي عقيدة عندما نقول إنها تسحب أو تلغي إنسانية الإنسان.. ماذا يعني، أي تحوله إلى حيوان.. والفرق بين الإنسان والحيوان هو شيء وحيد يتميز به الإنسان وهو العقيدة، لذلك ضرب العقائد هو ليس شيئاً جديداً، ومثال ذلك: عندما سقط الاتحاد السوفييتي وبدأت بالتفكك أول مصطلح طرح في أمريكا وقتها بأن زمن العقائد قد ولى.
وعن إشكاليات الليبرالية الجديدة أوضح ونوس أن أهم الإشكاليات هي سيادة نمط رأسمالية الدولة الاحتكارية، السعي لفرض نموذج الديمقراطية الأمريكية على العالم، كما أن هدف الليبرالية هو تحطيم سلطة الدولة عموماً والدولة المركزية على وجه الخصوص، وتحطيم الحوامل الاجتماعية الوطنية والعقلانية للدولة، محاربة كل الأنظمة الوطنية، العمل على نشر ثقافة الاستهلاك عالمياً، تسييد فكرة موت ونهاية كل شيء الفن الدين.. التاريخ وغيرها.
وأكد المحاضر على أهمية كلمة السيد الرئيس بشار الأسد خلال الاجتماع الدوري الموسع لوزارة الأوقاف في جامع العثمان بدمشق بتاريخ 7/12/2021 حول موضوع الليبرالية الحديثة ومخاطرها على الفرد والمجتمع والدولة، حيث فند فيها كل أبعاد ومخاطر هذا المصطلح.
