الثورة – دمشق – علاء الدين محمد:
قامة إعلامية لها حضورها ومكانتها في وجدان الناس، مليئة كسنابل القمح متواضعة لا تدخل ميدانا إلا وتترك أثراً، منذ الصغر مولع بالقراءة والمطالعة والخطابة.. تاريخ طويل مليء بالألق، غزير بالمعرفة مانح للمحبة.. إنه المذيع والأديب والشاعر جمال الجيش، الذي كان ضيف عزف منفرد في حلقته الرابعة في ثقافي المزة بدمشق.
بدأ يبوح عن ذكريات طفولته الأولى فقال: والدي علمني كيف ينبغي أن يكون إيماننا بلا حدود وعطاؤنا بلا حدود، ومن دون خوف من الآتي مهما كان وأيا كان.
والدتي علمتني أن لا أضعف أمام التحديات مهما بلغت، علمتني القوة النفسية التي بها نهزم أعظم المواقف والصعاب بحكمة وجسارة.
أتذكرهما كلما اشتدت علي وطأة الأحداث لروحيهما السلام ممتنا لأن الحياة جعلتني ابنا لأسرة أنا فخور بها، تحمل خصائص البساطة والإنسانية التي كانت تمتلكها أغلب الأسر، إلا أنه كان لها بعض الفرادة، فقد كان والدي صوفياً من طراز فريد، كان يحب السفر، فقد سافر في مراحل عمرية باكرة إلى فلسطين، تعلم مهنة النجارة بعد سفره (نجارة الموبيليا) كانت مهنة جديدة في سورية.
تأثرت بأختيّ الكبيرتين من خلال تعلم اللغة العربية منهما، فقد كانتا خريجتين للغة العربية، فكان حبي للشعر، وكنت الأخ الأصغر لهما والمدلل، وهذا أعتبره من حسن حظي، وتأثرت بزوج أختي وكان شاعراً يلقي الشعر أمامي فأحفظه بسرعة، وفي المدرسة أيضاً كنت أحفظ القصيدة بمجرد ترديدها من قبل المعلمة.
هناك واقعة أثرت بنفسي أذكرها جيداً عندما تخرجت أختي من دار المعلمات تم تعيينها في السويداء، عندها قال لها والدي- وأذكر ذلك جيداً- ستذهبين إلى أناس بسطاء وطيبين.. اعملي على احترام عقائد وقناعات الآخرين، وبذلك سوف يتقبلونك بينهم ويحبونك.. وهذا ما عملت عليه أنا واستفدت منه أيضاً بأسلوبي طيلة حياتي.
واستطرد قائلاً: فيما بعد أصبح المركز الثقافي صديقي والنادي الرياضي واتحاد شبيبة الثورة، أنا ممتن لتلك المؤسسات، فقد أردت أن أنفتح على الحياة من حياتنا البسيطة، أردت أن أشبع رغباتي بدخولي إلى المركز الثقافي، ورؤية هذا الكم الهائل من الكتب والمجلات المتنوعة، والتي ساهمت بتشكيلي إلى حد كبير.
ونوه جمال الجيش بأنه اكتشف في المرحلة الثانوية أنه حالة شعرية وخطابية، فبدأ يعتلي المنابر في الفعاليات والمناسبات الوطنية، وقال: برعت في التعبير في الصف التاسع ولا أنسى كلمات أستاذي عندما قرأت أحد مواضيع التعبير، فقال: هذا أديب وليس طالباً عادياً، وكان لها وقع كبير في نفسي، وأثنى على صوتي أيضاً، وقال لي يومها: يجب أن تعمل مذيعاً يا بني.
كان لي نزوع أدبي، وهذا جعلني أنفر من المواد العلمية على الرغم من تفوقي ورغبة أهلي بدخول كلية الطب، ككل الأهالي، تمنيت الذهاب إلى الفن والشعر والأدب، فدخلت إلى كلية اللغة العربية واستطعنا تفعيل حالة شعرية مع الشاعر صقر عليشة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات التي لم يكن لها مثيل قبلها إلا في الستينيات على أيام علي كنعان وممدوح عدوان.
الأحداث التي جرت في سورية سببت لنا صدمة قاسية وخيبة أمل بما يسمى “بالربيع المشؤوم” الذي هو ليس ربيعاً أصلاً.. انحسرت فجأة الحياة الثقافية والأدبية.
وعن ذكريات العمل قال: تقدمت في عام 1979 إلى مسابقة المذيعين في إذاعة دمشق من بين 2700 متقدم كان اسمي الأول في التصفيات المتعاقبة الثلاث، كنت مع زميلتي فريال أحمد، وكانت البرامج في أغلب الأوقات على الهواء.
في التجربة التلفزيونية لمسابقة الإذاعة والتلفزيون كنت مصراً على الإذاعة من دون التلفزيون، وقتها شرحت السبب للمدير فؤاد البلاط “رحمه الله” وقت ذاك قلت له: إنني أسكن في دوما، وأستقل كل يوم باصات متنوعة من الهوب هوب وغيرها، جالساً أو واقفاً أو متعمشقاً.. فكيف سيروني الناس مذيعاً في التلفزيون وأنا متعمشقاً على الباص، ولم يكن بالإمكان أن أستقل التاكسي كل يوم.
كان التلفزيون آنذاك فقيراً بالبرامج، فالمجال كان ضيقاً للعمل فيه، ويتنافسون عليه بشراسة، وفي الإذاعة كان هناك أيضاً فقر برامجي إلا أنها كانت أرحب قليلاً.
أتيح لي المشاركة في البرامج السياسية في الفترة الأولى، ومن ثم كان لي دور في طرح فكرة برنامج هوائي، وتم التوافق على برنامج (معكم على الهواء).
كنت مصراً على عدم النزول إلى التلفزيون من جهتين، أولاً إنني لا أجد مناخاً ايجابياً، وثانياً أجد أن الإذاعة ميدان رحب وممتع وساحر إلى حد كبير وإمكانية النجاح فيها أكثر، لأن التلفزيون صناعة مركبة ومعقدة جداً، لا تكفي طاقة مذيع أن تصنع برنامجاً ناجحاً، أما في الإذاعة ممكن أن أكون مذيعا جيدا مع فني صوت بمرتبة مخرج جيد نستطيع تقديم ساعة جميلة، بينما التلفزيون نحتاج إلى كادر كبير جداً ومتكامل لتقديم تلك الساعة الجميلة، وبرنامج (مكاشفات) حقق النجاح المرجو منه.
وعن التلفزيون قال: كان هناك عند انضمامي إلى التلفزيون احتفالاً، وعندما حضرني الدكتور محمد سلمان وسمعني، استدعاني إلى مكتبه وقال لي: نريدك في التلفزيون، وبعدها طلب مني الحضور إلى التلفزيون، وحاولوا استثماري في ميدان الأخبار وهو ميدان هام جداً، لكن يبقى التميز فيه والإبداع محدود، حيث حاولنا تطوير وإدخال بعض الحوارات إلى نشرات الأخبار.
بعدها عُرض علي العمل في فضائيات عربية كثيرة رفضت لأنني سأكون صوتهم وليس صوتي أو صوت وطني، ولن أحافظ على خصوصيتي بالقدر المطلوب، ففضلت أن أبقى في وطني.
ختم هذه الفعالية بقصيدة تحت عنوان احتراقات عاشق.