مقترحات لتطوير التعاون في ختام المؤتمر السوري الروسي الإعلامي الأول.. السفير مصطفى: أعداؤنا ماهرون بسرد الروايات ويروون قصصنا بالنيابة عنا
الثورة – متابعة غصون سليمان وعلا محمد:
العلاقة بين الإعلام الروسي والإعلام السوري، ما لها وما عليها، من خلال إطلالة الإعلام الروسي على الواقع العربي والحضور العربي في الإعلام الروسي المحلي والدولي ودبلوماسية الإعلام، كان المحور الثاني الذي ركزت عليه الجلسة الثانية من فعاليات المؤتمر السوري الروسي الإعلامي الأول المنعقد في المركز الثقافي الروسي بدمشق تحت شعار “سلطة الإعلام وتأثيره على الرأي العام”، والتي أدارها مدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون حبيب سلمان.
وتحدث في الجلسة الدكتور عماد مصطفى مدير المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية والمغتربين والسفير السابق لدى الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، حيث قدم عرضاً وبإسهاب عن عصارة تجربته الشخصية في كلا البلدين والولوج إلى خفايا العمل الدبلوماسي والصعوبات التي تواجه السفير في بلد معاد لقضايانا الوطنية كالولايات المتحدة الأمريكية عارضاً مجموعة من الملاحظات بعيداً عن أسلوب المحاضرة باعتباره جاء من خلفية أكاديمية لكنه وجد نفسه في (حمام إعلامي) حسب وصفه.
وقال عندما نقلت إلى واشنطن في شهر تشرين الثاني في عام ٢٠٠٢ ولغاية كانون الأول ٢٠١١ لأكون سفيراً ممثلاً لبلادي وجدت نفسي فجأة في معترك إعلامي معقد صاخب وعنيف ومعاد للغاية، وكانت تلك التجربة الأولى التي أتعرض لها، وبما أنني لم أكن دبلوماسياً محترفاً من ملاك وزارة الخارجية بمعنى لم أكن ملتزماً بالقيود التي تراكمت عبر سنوات عديدة وإنما وجدت نفسي أتمتع بمساحة من الحرية للتفكير بنفسي عما أريد القيام به، فكان السؤال الذي طرحته على نفسي: هو أن صوتنا على الساحة الأمريكية والغربية غائب وسرديتنا ضائعة وروايتنا مجهولة لدى الآخرين فهم يعرفون الرواية المعادية لنا وأعداؤنا ماهرون في سرد الروايات وبما أننا صامتون سوف يقوم خصومنا بقول قصتنا بالنيابة عنا.
ملء الفراغ..
وبين أن النظرية تقول لا يوجد فراغ في الطبيعة وإذا لم تملأ أنت هذا الفراغ سوف تأتي قوى أخرى تملؤه، وبالتالي كان أول شيء علي أن أفهمه كشخص مبتدئ بالعمل الدبلوماسي معرفة من هم صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ومن هم المؤثرون على الرأي العام الأمريكي؟ وكيف أتمكن كشخص مؤتمن على قضايا بلدي أن ألعب دوراً ما؟ وذات هذه الأسئلة طرحتها على نفسي حين مثلت بلدي سفيراً في الصين.
ويتابع السفير مصطفى: من هنا حددت لنفسي مسبقاً ما هو الدور الذي يجب القيام به ما بين الصين وأمريكا؟ فبالنسبة لي علمت أن أقوى مركز صانع للقرار في أمريكا هو رأس المال السياسي وكل شيء آخر يأتي تحت هذا المسمى فالدولة العميقة والنافذة والمؤثرة في هذا البلد هي الدولة الرأسمالية، ليس بالمعنى السياسي وإنما بالمعنى المالي والاقتصادي التي تهيمن على جميع مفاصل القرار في كل شيء من البيت الأبيض والكونغرس والجامعات ومراكز البحوث السياسية إلى المؤسسة العسكرية ومؤسسات المخابرات والتحقيقات الفيدرالية بمعنى أينما نظر المرء فإن المال السياسي هو الفيصل الفاعل في كل عمليات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة.
وبيّن الدكتور مصطفى أن وسائط الإعلام في أمريكا بالغة القوة والنفوذ ومؤثرة بشكل كبير لافتاً بالوقت ذاته إلى وجوب ألا ننخدع بذلك كمجتمعات وشعوب فما يأتي تحت طبقة رأس المال السياسي كله أدوات بيد رأس هذا المال وألا يصدق أحد وجود حرية إعلامية سياسية في أمريكا فهذه الوسائل جميعها خاضعة تماماً بشكل مبرمج ومدجن، حتى عندما نرى أصوات النشاز فهي محكومة بمقدار وإيقاعها مضبوط ولدي الكثير من القصص والتجارب في هذا المجال.
وذكر عميد المعهد الدبلوماسي أن الولايات المتحدة تساس وتقاد بواسطة جماعات الضغط حيث تختص كل جماعة ضغط بمفصل من مفاصل السياسة الأمريكية مثال: جماعة ضغط مختصة بالسياسة الأمريكية تجاه الأسلحة (حمل السلاح أو عدم حمله) وأخرى خاصة بصناعة الأدوية وجماعة ضغط خاصة بأمريكا اللاتينية (كوبا، أرمينيا، تركيا) إلا أن أهم وأشهر جماعات الضغط وأقواها وأكثرها تأثيراً على نفوذها وتهمنا نحن كبلد هي (ايباك) المالك لجميع تلابيب السلطة.
وأشار إلى القوة الناعمة وكيف تؤثر الدول العظمى على الآخرين ليس بإرسال الأساطيل والقوات وإنما بطرق أخرى أكثر نعومة ولكنها بالنهاية تؤدي إلى النتيجة المميتة نفسها.
وتحدث أيضاً عن واقع الدبلوماسية قبل ربطها بالإعلام إذ كان السفراء كأشباه الملوك يعيشون في قصور فاخرة وبعيدون عن أنظار الناس لكن مع ثورة المعلومات والاتصالات حصل انفتاح مذهل في نفاذ العامة إلى كل مفاصل الحكم والدولة والإعلام وكل ما يجري في العالم إذ بات الجمهور يحكم ويراقب سلوك وأداء الدبلوماسيين لافتاً إلى أن الدبلوماسيين المعاصرين اليوم مسؤولون أمام شعوبهم ويراقبون ويحكم عليهم ويقيمون من قبل الناس والإعلام والجمهور المهتم.
ونوه إلى أن معاهدة فيينا الدبلوماسية لعام ١٩٦١ هي المعاهدة المعمول بها اليوم عالمياً وأن وظيفة البعثة الدبلوماسية هي أن السفير يمثل بلده ويحمي رعاياها في البلد الذي يعمل به ويتفاوض مع الدولة المعتمد لديها حول القضايا والشؤون المختلفة وعلى السفير أن يضمن حقوق بلده ورعاية مصالحهم.
ومن وجهة نظر الدكتور مصطفى يجب أن يكون شعار الدبلوماسي المعاصر الاستعداد الدائم لقصة يرويها في أي لحظة وفي أي مكان قد تواجهه فيها وسائل الإعلام بأسئلة مختلفة مؤكداً أهمية امتلاك مهارات التواصل بدءاً من اللباقة واللياقة، اكتمال الفكرة أو الطرح، صحة المعلومة، البعد عن التجريد والتفلسف، تماسك الأفكار وترابطها، الوضوح والاقتضاب.
وخلال الجلسة الأولى التي أشرف على إدارة الحوار فيها الدكتور نيكولاي سوخف مدير المركز الثقافي الروسي والدكتور علي الأحمد رئيس الرابطة السورية لخريجي الجامعات الروسية تم عبر شاشة زوم تقديم تجارب لشخصيات إعلامية سورية وروسية حول رؤيتهم لأهمية التواصل والتعاون الإعلامي بين البلدين مقدمين عدداً من المقترحات كضرورة التعاون المستمر في تبادل التقارير والتحاليل من خلال فيديوهات وريبورتاجات وليس فقط نقل الأخبار، وتوسيع أفق التعاون لتأهيل وتعليم جيل جديد من الإعلاميين والدبلوماسيين، وتشكيل جبهة مواجهة إعلامية لتعويض نقص كلا الطرفين، وتنظيم منتديات إعلامية ووضع برامج واسعة برعاية سورية روسية، والتركيز على أمر مهم وهو ماذا نفعل بين المؤتمرات؟ ويجب وضع مجموعة عمل مسؤولة مرتبطة برأس هرم المؤسسات وصاحبة صلاحيات والتحضير دائماً للمؤتمر الذي يلي المؤتمر القائم وأن يكون الجميع مسؤولاً، ويجب بذل الجهود ليكون هذا المؤتمر نقلة نوعية وأن تقام مؤتمرات سنوياً وكل مؤتمر يراجع نتائج المؤتمر الذي سبقه.
إيجابيات وسلبيات..
بدوره أوضح الدكتور أحمد الشعراوي أستاذ القسم الالكتروني في كلية الإعلام بجامعة دمشق أهمية هذا المؤتمر النابعة من عنوانه (سيطرة الإعلام وتأثيره على الرأي العام) والذي يحدث عن طريق وسائل الإعلام وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أنه في اليوم الأول من المؤتمر جرى حوار مهم عن تأثير الإعلام الالكتروني والذكاء الاصطناعي باعتبار هذين المتغيرين هما عاملان مؤثران جداً في ظل سيطرة إعلام الانترنت الذي يمتلك إيجابيات وسلبيات كثيرة لذلك تم استعراضها في الحوار لتكون هناك القدرة على توظيفها في الطريق الصحيح خاصة في ظل الحرب الإعلامية الشرسة التي لعبت دوراً مؤثراً في تشويه الصور وضخ المعلومات الكاذبة وإحباط الجمهور.
ونوّه إلى الفائدة الكبيرة من التعاون الروسي السوري من الناحية الإعلامية قائلاً بأنه من خلال زيارتنا لروسيا عدة مرات، اطلعنا على مدى تطور الإعلام الروسي وعلى خبراته المهنية بالإضافة إلى التطور التقني الذي تمتلكه وهذا ما ساعدنا على التلاقح بالأفكار بشكل دائم في هذا المجال وندعو من خلال هذا المؤتمر أن تستمر هذه الزيارات الإطلاعية المتبادلة للاستفادة من الخبرات والمهارات.
من جانبه اعتبر الدكتور فادي العيساني رئيس مؤسسة التعاون السوري الروسي أن هذا المؤتمر هو ثمرة جهد أشهر بالتنسيق مع وزارة الإعلام السورية والوكالة الفيدرالية الروسية وبالتشاركية بين مؤسسة التعاون السوري الروسي ورابطة خريجي الجامعات الروسية لعقد مؤتمر مهم يخص الجانب الإعلامي بين البلدين بحضور قامات إعلامية كبيرة من كلا الجانبين لخلق هذا التناغم والتعامل الذي سينتج عنه أهم البيانات والمخرجات وسنسعى لتطبيقها على أرض الواقع بين الدولتين الصديقتين.
وذكر العيساني أنه ستعقد ندوات واجتماعات في وقت لاحق لإيفاد الإعلاميين وتدريبهم وتأهيلهم في روسيا الاتحادية بالإضافة إلى استقطاب إعلاميين أيضاً من الجانب الآخر.