الثورة – دمشق – رفاه الدروبي:
احتلَّت القضية الفلسطينية مكانةً مركزيَّةً في الفن التشكيلي، فأنتج الفنانون لوحاتٍ تُوثِّق أحداثها، وتناولها الأدباء والشعراء والكتَّاب في رواياتهم وقصصهم وأشعارهم وحتى في السينما والمسرح، أظهر الجميع الحق الفلسطيني من خلال شريط فني عُرض أمام جمهور المثقفين في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة.
الأمسية الحوارية كانت بإدارة الروائي عمر جمعة ومشاركة فارسين من فرسان الأدب والنقد الفني الناقد سعد القاسم والكاتب أحمد علي هلال.
الروايات السورية
استهلَّ الكاتب جمعة حديثه بأنَّ القضية الفلسطينية عادت أحداثها إلى الواجهة مع معركة “طوفان الأقصى” إذ وثَّقها كثيرٌ من الأدباء والشعراء والفنانين التشكيليين، ومنهم ماجد أبو شرار وناجي العلي، إضافة إلى قامات في الفن التشكيلي كإسماعيل شموط ومصطفى الحلاج وغيرهما، لافتاً إلى أنَّها بطولة شعب اختار الشهادة والحياة كي يدافع عن الأمة عامة، متسائلاً عن كيفية تعبير الفنون والآداب عنها وتصويرها من قبل الفنانين كلّ في حقله وانعكاسات وتحوّلات القضيَّة في ذاكرة القارئ أو المشاهد العربي وإيصال الصوت من خلالها إلى الآخر أو الدوران في حلقة مفرغة، مُنوِّهاً بأنَّ الكثير من الروايات السورية ترجمت إلى لغات عالميَّة ولعبت دوراً كبيراً في تعرية جرائم المحتل وادعاءاته الكاذبة من خلال الرواية والأجناس الأدبيَّة الأخرى، مُشيراً إلى أهميَّة الإعلام ومصداقيَّته ودوره في إبراز الصورة الحقيقيَّة لمجريات معركة “طوفان الأقصى” العامرة بأحداث النصر الفلسطيني.
النصر ليس بالمجان
بدوره بيَّن الكاتب والروائي هلال بأنَّ الفن والأدب لهما علاقة وثيقة بالقضيَّة الفلسطينيَّة لكنهما تحتاجان إلى وقت غير محدد وآني لإظهار الأعمال المبدعة البعيدة عن السرديَّة التاريخيَّة، ككتابات إبراهيم طوقان، حافظ إبراهيم، غسان كنفاني، توفيق زيَّاد، بينما وقف المسرح والأجناس الأدبية بدءاً من الاحتلال البريطاني على مقاومة الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني، متسائلاً عن مدى أهميّة استدعاء الرموز في وعينا العربي والفلسطيني وبأنَّها ليست من أجل تذكُّر الماضي وإنَّما قوَّة الروح، حيث أبلى شعراؤنا في التصدي للعدو الصهيوني وأعطوا دروساً في الاستشراف وضرب مثالاً غسان كنفاني في قصته “عائد إلى حيفا” ثم أسقطها على الحاضر، مُعلِّلاً السبب المتمحور حول استعادة نافذة نضالية لخلق مستقبل ينطوي على استشراف ملحمة “طوفان الأقصى” فالنصر لا يأتي بالمجان.
كما أكَّد الروائي هلال أنَّه على الرغم من المأساة الكبيرة والعدد من الشهداء وشطب بعض العائلات من قيود السجل المدني إلا أنَّه شعبٌ اختار الحياة، واستطاع الأدب أن يستعيد اللحظة الجديدة المتجدِّدة بمكوّناتها وبما انضوت عليه من أفعال، فمنذ البدء كانت الكلمة والأدب مسؤولية أخلاقية ومعرفة ستسهم في المعنيين الأخلاقي والمعرفي وإنَّه انعكاس لواقع آني لحظي معرفي يقوم على استشراف الواقع المقاوم كي يلتقط عشرات القصص والمحكيات في كل لحظة تظهر، كما يقوم على التنوع لكنَّه يستشرف كيفية أن ينتصر للحق.
واليوم تعود القضية إلى المربَّع الأوَّل ولكن لا بدَّ من عودتها بطاقة الوعي فالأدب ليس ترفاً وإنَّما حوار لما يفعله الحق على الأرض فيكون دور النخبة تراقب وتقف على الحياد كما كانت في الماضي أيقونات طرقوا ذاكرتنا لمحتوى إبداعي من الماضي وإلى الحاضر للأجيال الجديدة وبين ما أسَّسه الأدباء.
كرَّست فناً
من جهته الناقد سعد القاسم تناول حديثه عن الفن التشكيلي الفلسطيني في الداخل والشتات فكان يُعمِّق التراث والوجود، إذ بدأ من موضوع النكبة عام ١٩٤٨ حيث ظهرت في أعمال الفنانين السوريين لوحات فنية كنذير نبعة وبرهان كركوتلي وميشيل كرشه رائد التيار الانطباعي إذ رسم المناظر الطبيعية، وعرضت لوحة له في معرض استعادي غير معروفة ووصفها الناقد القاسم بأنَّها تحتوي كل المفارقات عندما جسَّد منظر الثلج الجميل وربطه بمعاناة المهجَّرين، وفي طرف اللوحة الشجر الأجرد وخيمات اللاجئين، مختصراً أحداث النكبة الفلسطينية، ومشيراً إلى لوحة فنية لمحمود جلال رسمها بأسلوب واقعي وكانت الغلاف الأول لمجلة الحياة التشكيلية في عام ١٩٨٠ وأتبعها بأعمال لمحمود حمَّاد وأدهم إسماعيل، فرسم لوحة تُمثِّل القدس ويبدو المسجد الأقصى وعائلة تقف على مشارفها تعكس معاناتهم نتيجة التهجير وما تحمله نفوسهم من أسى بعيداً عن الدفء في البيوت بينما الطفل ينظر إلى القدس ويعني بلفتته إلى المستقبل والأم وبقية العائلة يتجهون بظهورهم للوراء ما يعني حياة جديدة.
ثم لفت الناقد سعد إلى التشكيلية سامية الحلبي حيث رسمت اسكتشات وثَّقت فيها مجزرة كفر قاسم وكانت اللوحات تحمل معاني الأسى والتهجير والفقر والجوع والحرمان، موضِّحاً أنَّ إسماعيل شموط صوَّر لوحة العطش على طريق التيه وأتبعت زوجته تمام الأكحل بتجسيد المأساة في لوحة رسمت النكبة الصهيونية عام ١٩٤٨ زمن النكبة، مشيراً إلى إنجاز العديد من الأفلام السينمائية والأفلام القصيرة والأعمال الدرامية السورية الفلسطينية وحتى العربية لكن أهمّها التغريبة الفلسطينية للمخرج حاتم علي.