ظافر أحمد أحمد
فرض النظام الإعلامي العالمي أمرا واقعا جعل من اللعبة الإعلامية ولسنوات طويلة مرهونة بحرفيتها للنظام الغربي الذي بإمكاناته وثرائه التقني والمالي وبالوزن السياسي لمن يديره يسوّق دعاية تدميرية “دجنت وتدجن” شعوباً وصنّعت وتصنّع قناعات ملونة وثورات ملونة ووزعت وتوزّع ثقافات سوداء ومتوحشة وغسلت وتغسل عقولا وأطلقت وتطلق ثورات ناعمة ودموية وعبثت وتعبث في جغرافيا الدول.
أمام إمبراطوريات الإعلام الغربي، هل أمكن في يوم ما ولجهات فقيرة وفي ظروف قتالية أن تدير معركة إعلامية تواجه الدعاية الغربية التي تفرض نفسها على أنّها “دعاية لا تقهر”؟ إنّه أمر يبدو ضربا من ضروب الخيال، فكيف إذا كان النفق هو مكان تصنيع الرسالة الإعلامية المضادة للدعاية الغربية؟!
فعلتها المقاومة الفلسطينية التي من قلب أنفاقها تدير أهم حرب إعلامية ناجحة في مواجهة الدعاية الغربية المتغطرسة..، وتقدم أنموذجا يمكن أن يعلّم شتى الشعوب وعلى امتداد الكرة الأرضية أنّ الدعاية الغربية، يمكن قهرها، فالحروب لا تحدث على الجغرافيا وضمن مسوغات الدفاع عن النفس وحقوق تقرير المصير ومستقبل الشعوب فقط، بل إنّ الحروب الإعلامية قاسية جدا لأنّها تحصل حول الحقيقة ومكمنها الأساس عقول النّاس، فالصراع عندما يكون حول عقول البشر لا يقل أهمية وحساسية عن حروب جغرافيا وأوطان البشر وسيادة دولهم.. هنا تتحدد المعركة حول ما يمكن استخلاصه في إطار يصلح تسميته ب”السيادة الإعلامية”.
وتتكفل المقاومة الفلسطينية منذ بداية طوفان الأقصى بتعليم شتى الدول التي جعلت سيادتها الإعلامية مستباحة كيف يمكن إيصال (طوفان الحقيقة) وأنّه يمكن من إمكانات فقيرة تصنيع رسالة إعلامية تقارع في مواجهة “الحقيقة المصطنعة” التي تسوّقها الدعاية الغربية.
لم تقتصر الرسالة الإعلامية الخارجة من قلب الأنفاق على إبراز وتظهير إنجازات المقاومة الفلسطينية، وأحقيتها في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي وحلفه الغربي المنخرط معه في استنزاف الدم الفلسطيني، بل لأوّل مرة تستهدف (مجتمع العدو) وتسوّق في صفوف المستوطنين حقيقة أنّ الاحتلال يستهتر بدم مستوطنيه وأسراه، وسوّقت وقائع حول قتل جيش الاحتلال لبعض أسراه واستطاعت رسالتها الولوج إلى أنظار وعقول المستوطنين على الرغم من الحصار الكبير الذي يمارسه الاحتلال على (مجتمعه) لجهة عدم نشر خسائره الحقيقية، فتكفلت المقاومة الفلسطينية في تظهير تلك الخسائر أيضا.
إنّ تصنيع رسالة إعلامية مضادة للرواية الإسرائيلية والغربية من قلب نفق ومن قلب مدينة محاصرة بأشد حصار عبر التاريخ ومن قلب أرض فلسطينية يتم قصفها يوميا بمئات الأطنان من المواد المتفجرة والقذائف والصواريخ، يشكل ما يمكن تسميته معجزة إعلامية، معجزة أصبحت حقيقة نعاينها يومياً.