ظافر أحمد أحمد
عندما تقوم خمسة عشر منظمة استيطانية وبمشاركة واسعة من حكومة الاحتلال وآلاف المستوطنين بعقد مؤتمر في قلب القدس المحتلة، عنوانه (الاستيطان في غزّة)، فهذا يحدد أكثر وأكثر أنّ المقاومة الفلسطينية بمن يدعمها ويقتنع بجدواها، هي التي تمثل الفهم الصحيح لحقيقة الصراع العربي- الإسرائيلي، وهي الأقدر على معرفة حقيقة الاحتلال الذي لا يحمل للفلسطينيين والعرب إلاّ برامج تنفيذية لمقولة (التهجير) وما يرتبط بها..
وبينما يقوم جيش الاحتلال- الذي سبق ونفذ أحزمة نارية تمسح شوارع وأبنية وأحياء بكاملها داخل غزّة- بكل إمكاناته وإمكانات الغرب بتهجير أهالي غزّة، شهد المؤتمر المذكور مخطط إقامة نوى استيطانية، وتمّ تحديد أسمائها وأمكنتها في (بيت حانون، وخان يونس، والساحل الجنوبي لقطاع غزة، وإحداها مخصصة (للمستوطنين الحريديين) قرب رفح..
من الأخطاء الشائعة في فهم حقائق مكونات المستوطنين وأحزابهم وتياراتهم الربط بين التطرف والشعارات المتطرفة وكأنها لا تمثل إلاّ جزءاً من المستوطنين ووزرائهم، أو كأنّ التطرف مجرد (طفرة إسرائيلية) مرتبطة بمصطلح اليمين الإسرائيلي فقط، وهذا عكس الوقائع والنتائج، فخلال سنوات طويلة من عمر الاحتلال توسعّت المستوطنات وبرامج تهجير الفلسطينيين وشتى الاعتداءات الإسرائيلية حتّى في ظل حكم الأحزاب المسماة (أحزاب يسار)، وهي التي أثبتت أنّها تجابه العرب والفلسطينيين بوحشية ودموية وتلتقي مع أحزاب اليمين في مرتكزات إسرائيلية قوضت وتقوض أيّ حل للقضية الفلسطينية بما فيه الحل الأكثر شهرة والمعتمد أمميا المسمى (حل الدولتين)، وهذا التقويض كان يحدث تدريجياً على يد أحزاب اليسار وأحزاب اليمين حتى قبل توسع نفوذ الأحزاب التي تنتمي إلى (الصهيونية الدينية)..، وإنّ الخلافات الداخلية لدى أحزاب ومستوطني الكيان عندما تكبر أو تصغر تنتفي أمام الهدف الأساسي الذي يتطابق مع “وعد إلهي اختلقته الصهيونية” حول (أرض إسرائيل التاريخية)، وهي أبعد من حدود غزّة والضفة الغربية بمساحات كبيرة..
إنّ توغل جيش الاحتلال في غزّة و(مؤتمر استيطان غزّة) يتناسق مع مقولات الصهيونية الدينية التي ظهرت أكثر وأكثر لدى جموع المستوطنين وتركز على أنّ الفرصة حالياً متاحة لتجديد وتوسع أرض الكيان، وأنّ تهجير الفلسطينيين وحده سيجلب السلام..
الشيء الثابت ولا يمكن نكرانه أنّه ما من يهودي هاجر من مكان ولادته أو إقامته إلى الكيان الصهيوني ويحمل معه شعاراً رومانسياً مفاده (العيش بسلام إلى جانب العرب والفلسطينيين) بل جاء إلى أرض فلسطين التاريخية ومعه الشعارات الصهيونية الخاصة (بتهجير الفلسطينيين وتوسيع الكيان الإسرائيلي والتسيّد الإسرائيلي على العرب بالعسكرة والاقتصاد..)..
إنّها حقيقة يجب على العقل العربي ومنظوماته الفكرية والثقافية والإعلامية استيعابه للوصول إلى أنّ خيار أنّ (السلام مع إسرائيل) ثمنه باهظ فضلا عن أنّه وهم كبير..
