الثورة-هفاف ميهوب:
يقول الباحث الأميركي “مايكل ناغلر” عن العنف الذي تمارسه بلاده، وعن دعمها لكلّ من يمارسه ويوقد به أحقاده.. يقول في كتابه “البحث عن مستقبلٍ لا عنفي”:
“خلقنا ثقافة ترفع من شأن العنف، بشتى الطرق المتاحة، ويمكننا أن نرى في بعضِ الحالات، صلة مباشرة بين العنف وفقدان الأمن، كما هو الحال اليوم في دعم حكومتنا الأعمى لاسرائيل، علماً أن الأمن ليس شأن كلاب شمّ القنابل، أو الأقمار الصناعية التجسّسية.. إنه شأن “تعلّم كيف تعيش” ولا نحتاج هنا لإزالة الآخرين عن الطريق، كي نفسح مجالاً لسعادتنا.. شأن بناء ما دعاه “مارتن لوثر”: “الجماعة المحبِّة”..
في كلماته هذه، يعترف “ناغلر” بأنه يرى صورة أميركا قد تشوّهت، بعد أن “اقتحمها العنف بوحشية بالغة”.. العنف الذي صنّعته وصدّرته وشرعنته، عبر تجنيدها لإرهابيين سلّحتهم بالحقد والشرّ والكراهية والتوحش، وأطلقتهم في شتى أنحاء العالم..
لم يكن “ناغلر” وحده من عرّى بلده أميركا، وكشف عن كونها صانعة العنف والإرهاب والعنصرية، فها هو أيضاً الأديب “جون شتاينبك” يكشف حقيقتها لكلّ العالم، بل ويوثّق هذه الحقيقة في روايته “عناقيد الغضب” التي تشير إلى همجيّتها ولصوصيّتها وعنصريّتها وممارساتها الوحشية.. أيضاً، إلى سعيها لاستعباد واستعمارالشعوب، تحت شعاراتٍ لم تعد براقة، بل سوداء في أفكارها وأهدافها ومخططاتها، بل ومعتقداتها التي انتقدها مشيراً إلى أن إيمانها: “الإيمان الحقيقي هو الإيمان بالانسان. وليس بالوحش الرأسمالي الذي لا إله له غير المال”..
لم تكن الصورالتي قدمها أدباء أميركا هؤلاء، وحدها من جسّد همجيّتها ودمويّتها، ذلك أن كُثرٌ من أبنائها كانوا قد جسّدوها، وبعد أن جرّدوها من أقنعة الزيف التي ترتديها، وشهدوا من بشاعة ممارساتها حتى بحقّ أبناء شعبها، ماجعلهم يصفوها:
“أميركا تنشر الدمار والموت، وإني أراها لعنة سوداء على العالم.. على هذا العالم أن يصنع حياته بعيداً عنها، فهي “ربيع أسود” و”كابوس مخيف”..
هذا ما وصف به الكاتب الأميركي “هنري ميللر” بلاده، وبعد أن شعر فيها بالاغتراب الفكري والإنساني والروحي.. أيضاً، بعد أن عاش فيها الاحساس بالظلم والاضطهاد والإذلال، وغير ذلك مما دفعه للتمرّد عليها، والاشمئزاز من تفاهتها، حيث لا أمل ولا حرية تعبير.. لا ماضٍ ولا أرض ولا مستقبل.. لا شيء إلا عفونة لاحقته بالكثير من العقوبات التي اضطرّته، لمغادرتها إلى حيث يجد الحياة التي تلائمه.
نعم، لقد رفض “ميللر” الاعتراف بالانتماء لكلّ ماهو أميركي، بل وواجه بلده بذلك، وعبر قوله في أكثر من حوارٍ وعملٍ إبداعي:
“لستُ مِلكاً لأميركا التي تدّعي الإنسانية، دون أن تكون نبيلة أو تُحسن الحب.. الآن أنا مِلكُ الأرض، الأرض وحدها، بعيداً عن المظاهر النتنة والخادعة، في الولايات المغرورة الأميركية”..

التالي