الثورة- عمار النعمة:
مما لا شك فيه أن الإذاعة قبل 20 عامًا كانت أكثر أهمية وقدرة على التفاعل والتواصل، فما من أحد منا إلا وكان يقف أمام المذياع ليتابع ويسمع العديد من البرامج والأغاني في بيته أو سيارته أو مكتبه.
اليوم ورغم التطور التكنولوجي الكبير الذي نشاهده، والأعمال الدرامية الضخمة، ماتزال الإذاعة تحتفظ بمكانة مهمة لدى العديد من المستمعين، بمعنى أن الإذاعة بدأت تستعيد شيئاً من ألقها والقدرة على التفاعل والتعامل مع مستمعيها، فلا يمكن للزمن أن يتجاوزها مهما كان حضور البث الفضائي طاغياً، فالإذاعة ستبقى الوسيلة الأكثر انتشاراً والأكثر قدرة على التأثير.
هنا الإذاعة السورية من دمشق.. إذاعة كل العرب” كان السوريون عند الساعة السابعة من صباح الثالث من شباط عام 1947 على موعد مع هذه العبارة التي باتت العنوان العريض لانطلاق أثير إذاعة دمشق بصوت المذيع يحيى الشهابي معلناً عبرها نقل الأثير السوري للجمهور.
هذا اليوم عزيز علينا نحن السوريين فهو يعيدنا إلى الزمن الجميل، ويعيش في ذاكرتنا، ويزداد ألقًا ونحن نحتفل بعيدها السابع والسبعين بعد انطلاقتها من بناء بسيط في شارع بغداد وسط العاصمة وبفريق فني صغير ومعدات بسيطة لتكون ثالث إذاعة تأسست في الوطن العربي، وأولى الإذاعات في البث المباشر وتقديم مواجيز الأخبار.
في سنوات إذاعة دمشق الأولى كان بثها يقتصر على ساعتين من الزمن يومياً ولكنها كانت كافية لاحتضان عدد من الفنانين والملحنين والموسيقيين الأكثر شهرة من السوريين والعرب، فلا يخفى على أحد أن كبار الفنانين انطلقوا من تلك الإذاعة ليحلقوا في سماء الإبداع.
لكن طموح القائمين على الإذاعة لم يقف عند هذا الحد، فأصبحت بعد فترة تبث 8 ساعات يومياً قدمت من خلالها مواد إعلامية باللغة العربية تحاكي تطلعات السوريين وحياتهم اليومية بقالب درامي، ساهم بتقديمه عدد من الفنانين الرواد وكان الأساس الذي انتقلت منه الدراما إلى التلفزيون.
في العام 1956 وسعت “إذاعة دمشق” الأم نطاق تغطيتها لتشمل كامل الأراضي السورية والأقطار العربية المجاورة،
وقبل ذلك أي في نهاية عام 1948 وفد إلى سورية بعد نكبة فلسطين عشرات الألوف من النازحين وكان من بينهم أعلام في الثقافة والأدب والفنون، فتعاقدت الإذاعة مع الأستاذ عصام حماد كبير مذيعي إذاعة القدس ومع زوجته السيدة فاطمة البديري كمذيعين في إذاعة دمشق، كذلك تعاقدت مع ألمع الموسيقيين الوافدين الذين كانوا يعملون في إذاعة القدس وعلى رأسهم الأستاذ يوسف بتروني والموسيقي يحيى السعودي والمطرب محمد غازي والمطربة ماري عكاوي التي لحن لها الملحن السوري محمد عبد الكريم رائعته (يا جارتي ليلى) والمطرب والملحن حليم الرومي الذي ملأ الإذاعة بأغانيه القومية من مثل وامعتصماه) و( ومضة على ضفاف النيل ) وعازف القانون القدير إبراهيم عبد العال.
أحدثت في إذاعة دمشق دائرة المذيعين بعد الزيادة في عدد المذيعين، كما أحدثت شعبة للموسيقا والتمثيل، انضم إلى العمل الإذاعي مجموعة من المذيعين الجدد الذين مالبثوا أن أصبحوا نجوماً دفعوا الإذاعة خطوات إلى الأمام ومن هؤلاء خلدون المالح الذي اشتهر ببرنامجه الثقافي (فكر واربح) وفؤاد شحادة الذي حقق نجاحاً ببرنامجه (ركن الهواة) وأيضاً عبد الهادي البكار وغيرهم الكثير ..
تتالت العديد من الإدارات التي جعلت من الإذاعة السورية منبرًا ثقافياً وفنياً حيث استقطبت رجال الثقافة والفكر وأهل الفن الذين توافدوا من مختلف الأقطار العربية فتعرف الناس للمرة الأولى على الأخوين رحباني وفيروز ووديع الصافي ونور الهدى ونجاح سلام وسعاد محمد من لبنان، وآمال حسين وحفصة حلمي وشهرزاد وكارم محمود وأحمد عبد القادر ومحمد عبد المطلب وجلهم من المحترفين من مصر …. إلخ
في رحاب الذكرى .. جميل أن نتحدث وأن نفخر بما قدمه السوريون عبر السنين الماضية ومايُقدم اليوم، لتبقى الإذاعة السورية الصوت الأقوى والأحب للعرب جميعًا.
