الثورة- هفاف ميهوب:
عندما تقرأ لشاعرٍ يقول: “تجتاحني دمشق وياسمينها، وجبل قاسيون المطلّ على الأنبياء، من مخيّم اليرموكِ المشدود من الوريدِ إلى الوريد، بحبالِ الحلم والأمل والألم والدمار، إلى عصفورٍ لا يزال يزقزق أملاً بالسلامِ”.عندما تقرأ لشاعرٍ هذا القول، فاعلم أنه الشاعر الفلسطيني المقاوم “صلاح أبو لاوي”.. تتوقّف لديه، ليس فقط لتقرأ اشتعالات عشقه لدمشق التي توقد حبره، بل واشتعالات هذا الحبر، حزناً على أبناءِ وطنه، وغضباً يحيله إلى قصائد يواجه بها عدوّه..تحاوره، فيستحضر الشّعر ليجيب، عندما تبدأ وتسأله:
قصيدة الشّاعر المقاتل هي وطنه، ومفرداتها سلاحه.. من أنت في هذه القصيدة؟
أنا شاعرٌ صنعتهُ التجارب من أوّلِ النارِ حتى السراديب في معمعاتِ الخطيئةْ، أعدُّ قناديلَ روحي لليلٍ يجيءُ، فما أظلم الحلم إنْ لم يجدْ شاعراً ليضيئهْ.
هل ترى أن الشاعر المقاوم، هو شاهدٌ يخترق بقصيدته أوكار الظلام، حتى وإن اضطرّ لتفخيخها بكلماته المتفجّرة؟.
ليس شاهداً فقط، فهو الشاهد والشهيد، الشاهد بقلمه وحبره وقصيدته، والشهيد الذي ينزف هذا الحبر دماً، يعيده إلى الرحم الأول.. أرضه ـ أمه نعم، الشاعر المقاوم هو الشاهد والشهيد، وعندما ييمّم حبره ـ دمه، باتّجاه وطنه، يصير معرّفاً به، عبر القصيدة التي تعرّف أيضاً، بأنها وبأنه:”شاهدٌ أو شهيدٌ .. شربتُ حليب الحياة النقيَّ.. لأصعد صدر النهار خفيفاً بهيّاً.. كما يصعد البلحيّ إلى نخلةٍ سامقةْ..شاهدٌ أو شهيدٌ .. أنا طلقةٌ للبلادِ.. ونحنُ على جمرها طلقتانِ.. إذا مكرَ الذئبُ تمكر طلقتنا.. ونسمّي البلاد بأسمائها.. لا أقولُ فلسطين.. وهي الأحبّ إليّ.. ولكنْ أقول بلادي.. فكلّ البلادِ فلسطينُ.. في فكرةِ الطلقة الواثقةْ..”..
تقول: “قالوا تخيّر فقلتُ الشّام أختار وليس مثلي من بالشّام يحتارُ”.. قلتَ غير ذلك الكثير عن دمشق، فيا ترى ما سرّ هذا العشق؟!.
أحبّ دمشق لأنني أحب فلسطين، وأحبّ فلسطين لأنني عاشقٌ شآمي.. هكذا تعلّمت ألف باءِ الحب في شوارع دمشق، وآمنت بالرصاصة التي آمن أهلها، بأنها سبيلهم لمواجهة كلّ من يسعى للاعتداء عليها..آمنت أيضاً، بأن السماء الثامنة هي سماء دمشق. إليها تصعد أرواح الشهداء، على أجنحة الياسمين، معطّرة بالتراب الزكي، ومنها تتنزل آيات الروح المقاومة.
أيمكن القول إذاً، أن دمشق لديك هي القصيدة المعشوقة، مثلما القصيدة المقاتلة؟.
هي أجملُ الشّاماتِ في خدّ السّما، وأنا لقُبلةِ خدّها مشتاقُ، قلبي كنيسة مهدها يمشي على، مائي فيعزفُ لحنها الطرّاقُ، ما خفقةٌ فيه سوى لصلاتها، يعلو ويهبطُ والهوى دفّاقُ..”. هي نبضُ سورية المقاتلة أيضاً.. سورية التي فيها فقط، أسمع في قصيدتي أزيز الرصاص..
“آخر الليل” يشغلك.. تسهر وتكتب قصيدتك، توالت لياليك الساهرة، فهل نيّمت أحلام الكون، لتساهرَ فلسطين بيقظةٍ مقاوِمة؟
أعترفُ الآن والكونُ نائمْ، ليتني كلّ يومٍ أموتُ وأحيا، أموتُ وأحيا، أموتُ وأحيا على أرضها، مقبلاً غير نادمْ، فالقصائد عجزٌ، أمام السلاح المقاومْ، كلّ قولٍ سوى ما تقول الرصاصة وهمٌ، وقائله ألف واهمْ.
ماذا يقول “صلاح أبو لاوي “اليوم، وهو يرى طوفان الدمِ الفلسطيني ينتصر لقضيّته، فيعيد للحياة كرامتها، وللعالم بعضَ وعيه؟.
في غزةَ في هذا اليوم الموعودْ فنانون عباقرةٌ رسموا كيف نعودْ ورعودٌ تتفجرُ خلف رعودْ.. في غزةَ تتحوّلُ كلُّ الأشياءِ الزيتونُ، النخلُ، ترابُ الأرضِ، الوديانُ، البحرُ، الأحلامُ إلى بارودْ. في غزةَ أبطالٌ يلتحفونَ الأكفانْ فملائكةِ التحريرِ من الغيمِ من البرِّ من البحرِ أعادوا وجهَ فلسطينَ التائهَ في النسيانْ.. هل يُهزمُ شعبٌ يركبُ ظهرَ الموتِ ليقرع جدران الخزانْ؟!..السابعُ من تشرينْ برقٌ قَسَمَ التاريخَ إلى نصفينْ وأدار الشرقَ إلى الغربِ بطرفةِ عينْ السابعُ آخرةُ السبعينْ السابعُ فاتحةُ التأبينْ فقد انتفضتْ من تحتِ ركامِ السنواتِ فلسطينْ وسفينةُ غزةَ مبحرةٌ حتى حطينْ حتى حطينْ.
سأختم بسؤالك: من هو المقاوم المقاتل، برأي الشاعر المقاوم؟
كلّ أديبٍ أو شاعرٍ أو فنّانٍ يتصدّى للعدوّ، ويفضح ممارساته ويندّد بجرائمه، هو مقاوم مقاتل، فالكلمة أو اللوحة الطلقة، أو أيّ عملٍ إبداعي يكشف للعالم حقيقة العدوّ وبشاعة جرائمة، هو عمل مقاوم ومقاتل.. طبعاً، يختلف لديّ المقاوم والمقاتل بدمه. الفدائي البطل، وعنه أقول المقاومُ يأكلُ مثلي ويشربُ مثلي ويتعبُ مثلي ويرتاحُ مثلي وينهضُ مثلي.. ومثلي ينامْ فلماذا أنا خانعٌ خاضعٌ مائعٌ ظامئٌ وهو أعلى من النجمِ من قطرةٍ يرتوي لو سقاهُ الغمامْ ؟!.