الثورة – منهل إبراهيم:
عند وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لحكم البيت الأبيض، كانت الفوضى التي كان لها هدف وقصد أكثر ما يميز مواقفه تجاه قضايا السياسة الخارجية، وترجم بعض علماء السياسة سياسات ترامب كنتيجة لتبنيه مبدأ “أميركا أولاً”.
وخلال خطابه الأول يوم تنصيبه رئيساً، عكس ترامب رؤية شعبوية أميركية، كيف لا وهو من ورث كأسلافه نتاج فشل إدارات سابقة في عدة قضايا خارجية هامة على رأسها الملف النووي لكوريا الديمقراطية، وحروب لا تنتهي سواء في العراق أو أفغانستان.
ترامب أطلق النار حينها على حلف الناتو، واعتبر أن الحلف لم يعد له أي جدوى، وأن الدول الأوربية تعتمد على بلاده في الجانب الدفاعي، وعبر لاحقاً أن الحلف هو عماد استراتيجية واشنطن الدفاعية.
وسخر ترامب من أفكار بعض الساسة الأوروبيين حول ضرورة الاستقلال الدفاعي عن الولايات المتحدة، وغرد قائلاً “لم تنجح فكرة الجيش الأوروبي بشكل جيد في الحرب العالمية الأولى والثانية، لكن أميركا كانت هناك من أجلكم وستظل كذلك دائماً، كل ما نطلبه منكم أن تدفعوا نصيبكم العادل لحلف الناتو، ألمانيا تدفع 1% في حين تدفع أميركا 4.3% من ناتجها القومي الأكبر لحماية أوروبا. نريد الإنصاف”.
وبالخط خلفاً نعود لما قاله ترامب، خلال تجمع حاشد لأنصاره في ولاية نيفادا، إنه لا يثق برغبة “الناتو” في حماية الولايات المتحدة إذا ما تعرضت لأي هجوم أو صراع، وأضاف “أكره أن أقول هذا عن حلف شمال الأطلسي، لكن إذا كنا بحاجة إلى مساعدتهم، في حال تعرضنا لهجوم، فلا أعتقد أنهم سيأتون للدفاع.. أعرفهم جيداً، ولا أعتقد أنهم سيساعدون”.
واليوم أعاد احتمال فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية وعودته مجدداً إلى البيت الأبيض مخاوف حلف شمال الأطلسي “الناتو” من خسارة الولايات المتحدة كشريك عسكري واقتصادي رئيس إلى الواجهة، ولا سيما في ظل تفاقم أزمات إدارة الرئيس الحالي جو بايدن المنافس لترامب وتراجع شعبيتها جراء مواقفها من العدوان الإسرائيلي البربري المستمر على غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها أن دول حلف “الناتو” وفي مقدمتهم ألمانيا يبحثون موقف الحلف وعلاقته مع واشنطن في حال فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية، حيث عادت تهديدات الأخير المستمرة خلال فترة ولايته السابقة بسحب الولايات المتحدة من الحلف إلى الواجهة.
ولفتت الصحيفة إلى أن دول “الناتو” تناقش بشكل غير رسمي آفاق الحلف في عهد ترامب، معربة عن قلقها بشأن ما سيحدث إذا لم تحتل الولايات المتحدة موقعاً مركزياً في الحلف كما هو معتاد، وأن فكرة انهيار الناتو انتشرت في الدوائر الحكومية الألمانية، ولا سيما مع تصريحات ترامب حول ضرورة إنهاء الدعم لأوكرانيا وتقليص التزامات الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي والدفاع الأوروبي.
مراوغة ترامب وضغطه على الحلفاء والخصوم من شخصية ترامب، ويظهر مبدأ يحكم السياسة الخارجية في عهد ترامب في كتاب للبروفيسور كولين دويك “عصر القوة” رؤية محافظة شعبوية للسياسة الخارجية، وانتقد البروفيسور دويك جميع القائلين إن سياسة ترامب الخارجية تتسم بالعشوائية والفوضى، وعدد أربعة عناصر تسهل من فهم سياسة ترامب الخارجية، وتشكل ضغطا كبيراً على الحلفاء والخصوم.
واتسمت العلاقات بين أوروبا وواشنطن خلال ولاية ترامب بين عامي 2016 و 2020 بالتوتر الدائم على المسارين السياسي والاقتصادي إلى مستوى غير مسبوق ما دفع ترامب للقول: “إنه لا يعتقد أن الناتو سيساعد الولايات المتحدة في حال تعرضها لهجوم، وإنه يرى أن انسحاب واشنطن من هذا الحلف خطوة مرجحة”.