الأفق الاستراتيجي لمعركة الطوفان

لعل ما يستوجب التوقف عنده في المشروع الغربي للمنطقة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية هو بناء منظومة قائمة على تفردها فكرياً سياسياً ثقافياً علمياً وتقنياً وفي معظم مجالات الحياة وشكلت مداً غربياً لم يستطع مقاومته أحد حتى في عصر الحرب الباردة والقطبية الثنائية التي شكلت المنظومة السوفييتية، الطرف المواجه والمنافس لها فأصبحت أغلب شعوب العالم تتعامل وفقها بوصفها النموذج الأفضل والأحدث إلى درجة أن الفلاسفة الغربيين بدؤوا ينظرون لانتصار النموذج الغربي ولاسيما بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي والتجربة الشيوعية ومنهم فرانسيس فوكوياما في أطروحته المشهورة نهاية التاريخ وصموئيل هاتنغتون في صراع الحضارات وكذلك ليو شتراوس، ولكن ومع مرور الزمن بدأ الغرب يفلس أخلاقياً عبر التغول في الليبرالية المتوحشة وغياب منظومة القيم وتسليع الحياة البشرية وصعود وهج المال على حساب وهج الفكر والتعامل مع الإنسان بوصفه كائناً بيولوجياً وليس معرفياً وأخلاقياً، مع سعي لتدمير منظومة الأسرة والدعوة للإباحية والمثلية في إفلاس أخلاقي ومحاولة تركيب أجندة ومنظومة غربية لشعوب العالم دونما اعتبار أو احترام لثقافاتها وتاريخها وهويتها ومنظومتها القيمية والدينية، وتركز الخطاب الغربي وانحصر في قضايا المناخ والمثلية والذكاء الاصطناعي وكأنها قضايا جميع الشعوب ومشاكلها وتحدياتها دون النظر للفقر والظلم والاستبداد وحق الحياة بكرامة وإنسانية وعدالة وتحرر التي كانت قضايا وأولوية لأغلب أو لنقل كل شعوب عالم الجنوب من أمريكا الجنوبية إلى أفريقيا وانتهاء بقارة آسيا .

ما جرى في غزة وحصل فيها جاء في لحظة ضعف أخلاقي وفكري واستراتيجي ولحظة ضعف قيادي على مستوى العالم وإرهاصات أولى لتحولات كبرى وتململ من شعوب العالم لسلوكيات الغرب التي يشتم منها عودة حمى الاستعمار بأشكاله الجديدة مع لحظة ضعف في مراكز القوى الكبرى على مستوى الرئاسات كبايدن وسوناك وشولتز وماكرون وكذلك حليفهم نتنياهو، فالضربة في غزة شكلت لهم جميعاً حالة اضطراب وعمى سياسي فبدؤوا يتخبطون في اتخاذ القرارات وهم في حالة هيجان سياسي وخداع ذاتي وعدم يقين بالنتائج والتداعيات المترتبة على ذلك، فأخرجوا كل ما في ذاكرتهم الاستعمارية من غل وحقد على شعوب المنطقة وتعاطف أعمى مع الكيان الصهيوني صنيعتهم التاريخية ورأس حربتهم ونموذجهم في المنطقة الذي يتحول فجأة وأمام الرأي العام العالمي إلى مجرم وقاتل ومصاص دماء ومتهم هو وقيادته بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، ومتمرد على الشرعية الدولية ومغرق في احتقار البشر ولاسيما الشعب الفلسطيني في وصفه له بالحيوانات، ويؤيده في تلك النظرة الاحتقارية عصابته ومستوطنيه ما يعكس حالة توحش دفينة أتيح لها أن تعبر عن نفسها بوقاحة وسادية غير مسبوقة وعلى مسمع ومرأى من شعوب العالم وعبر إعلامه وهي حالة توحش موروثة من تاريخ استعماري بغيض وإجرامي ارتكب المجازر في آسيا وإفريقيا وقبلها في أمريكا مع الهنود الحمر، وكذلك في استراليا والجزر الاندونيسية وفيتنام والجزائر والعراق وغيرها، وأضاف نتنياهو إلى تلك المجازر بعداً دينياً بحديثه عن العماليق وما ارتكبه يشوع بن نون بحق الفلسطينيين قبل ثلاثة آلاف عام في قرع واستيقاظ للذاكرة اليهودية التلمودية.

الآن بعد الذي جرى من إجرام وقتل ونقل تلك الصورة للعالم كيف لهذا الكيان أن يسوق نفسه كما قدمه الغرب بوصفه نموذجه الليبرالي وإنه ضحية “المحرقة” وهو يمارس ذات الممارسة في شعب أعزل ويبحث عن حريته واستقلاله ودولته التي بات العالم كله يعترف بها وضرورة وحتمية قيامها، ولعل هذا هو التحول الاستراتيجي الأساسي الناجم عن معركة طوفان الأقصى إلى جانب وضعها العالم على درجة ومستوى تفكير مختلف مع كسر لصورتين ومسارين صورة “إسرائيل” وجيشها في وعي الصهاينة وحماتهم، حيث سقطت سقوطاً مدوياً أمام بطولات وتضحيات المقاومة الفلسطينية وكسر مسار التطبيع وما سمي صفقة القرن والسلام الاقتصادي والعبث بالقضية الفلسطينية ومحاولة جعلها ورقة مساومات وقبض أثمان لتتحول بعد معركة طوفان الأقصى قضية شعب يقاتل ويضحي من أجل وطن سرق لا بد من عودته لأهله وشعبه وزوال كابوس الاحتلال، وطن لشعب اسمه الشعب الفلسطيني وأرض اسمها فلسطين وليست كما روج وسوق لها دعاة الحركة الصهيونية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وهذا هو التحول الكبير.

آخر الأخبار
"رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق