الملحق الثقافي- حسين صقر:
بالتأكيد هناك علاقة جدلية وكبيرة بين الناقد والكاتب، ومن الضروري أن تحكمها الحيادية والأخلاق والموضوعية، بغض النظر عن العلاقة الشخصية بينهما، بمعنى أنه كثير من النقاد يوجهون انتقاداتهم لبعض الأعمال، ويربطون عملية النقد بطبيعة العلاقة مع الكاتب، ولهذا كثيراً ما يكون نقدهم غير بناء، ولايحقق أي أهداف منطقية، بل غالباً مايسيء للنص وتفاصيله.
إذاً لا بد من وجود علاقة أدبية بين الناقد والكاتب، وأن يكون الناقد محباً للنص والأدب بطبيعة الحال، وهنا قد نسوق قصة لأحد الرسامين على اعتبار النقد والإبداع لاينطبق على الأدب والكتابة وحسب، فالنقد مصطلح شامل وجامع ومتشعب.
وبالعودة لقصة الرسّام، فقد وضع لوحة في أحد المعارض وكتب عليها، من وجد خطأ فليضع عليه إشارة بالقلم الذي بحوزته، وهكذا يمر نقاد الفن ويضعون إشاراتهم على المكان الذي لايعجبهم، وبعد فترة عاد الفنان ورأى اللوحة ملأى بالإشارات حتى اختفت معالم اللوحة تماماً وفقدت أي جمال.
ولدى عودته أزال اللوحة، ووضع بدلاً عنها، وكتب ملاحظة: من رأى خطأ فليصلحه، ووضع ريشة ومجموعة ألوان بجانب اللوحة، ومر النقاد والمهتمون، وكل من رأى خطأ أصلحه، وبعد أيام عاد الفنان ورأى لوحة جميلة الألوان بهية عميقة المعاني، لأن الناقد أراد الإصلاح وليس التشهير.
ولكن قد يقول قائل: وهل المطلوب من الناقد أن يمسك بقلمه ويصلح النص، نقول: لا ولكن بإمكانه أن يكتب ملاحظاته بموضوعية ويفصل أكثر ويكتب أن أخطأ الكاتب وأين أصاب، وماذا كان عليه أي يفعل، حيث النقد للتبصير والتنوير والأخذ بيد المبدع، وخاصة إذا كان مبتدئاً، وإلا فسنبقى على مسافة بعيدة لإيجاد نقاد لهم باع طويل في هذا المجال، وهو ما يتطلب رحابة الصدر، والإفادة من القراءة النقدية التي تتطلب الاطلاع المستمر، لأنّ الناقد نفسه معرض للنقد من النقاد، أو الجمهور، أو الكتاب و القرّاء.
ولهذا فالنزاهة والكفاءة ضروريتان، والنقد أصلاً نوع من القراءة الفلسفية والتحليل الأدبي للإبداع، كما أن العلاقة الكبيرة بين النقد والإبداع والنتاج الأدبي في المقام الأول، غير منكرة للتذوق الجمالي في القراءة الواعية للنصوص، كأساس للحكم النقدي.
والنقد غير الموضوعي يضعف العلاقة بين الكاتب والناقد، كما يضعف عملية الإبداع والنقد معاً، لأن الطرفين يريدان فيما بعد تصيد أخطاء بعضهما بعضاً في الماء العكر، والهدف إضعاف بنية النص النقدي والأدبي.
من جهة ثانية لم نصل بعد إلى مرحلة متقدمة في القراءة والاطلاع والتوق إلى حب المعرفة، وبعد أن قاربنا الوصول، جاءتنا وسائل الاتصال والمواقع الإلكترونية لتشتت انتباهنا وتحرفنا عن الخط الثقافي الصحيح الذي تسير عليه عجلة النقد والإبداع، وأضحى هناك قراء يطلبون فهم كل كلمة أو جملة في النص أو تفسيرها، فإذا ما أعجزهم هذا الفهم، ذهبوا يرمون العمل بتهم مجحفة، ولو أدركوا أن هناك سياقاً يوجه النص، ويتحكم بالفهم والتفسير، لأدركوا مسالك الجنس الأدبي الإبداعي.
فالناقد العارف والموضوعي كالفارس المتمرس الذي يوجه فرسه كما يريد ويجنبها أي كبوة، وإلا أصبح كمتطفل على الجياد، إذا لم يحسن ركوبها أسقطته عن صهوته.
لذا فالتذوق الجمالي يفعل القراءة للقراءة، وينقلها إلى تصورات نفسية وخيالية رائعة، وتبعد القارئ عن الغضب والحزن وتدخله حالة من الفرح، لذا يجب على النقد أن ينسلخ من كل ما يمكن أن يؤثر على حكمه النقدي، وعليه أن يحاول جاهداً في هذا النوع من المنطلق النقدي أن يتمسك بنزاهة الحكم، واضعاً نصب عينيه العمل الأدبي منفصلاً عن أي حكم خارجي، وأن يمتلك الكفاءة الموسوعية والمنطقية والبلاغية التداولية والتواصلية، ليصل إلى تلك النزاهة التي نريد.
وكفاءة النقد تدخله في فك ترميز المحتويات المضمرة والمجهولة المعاني، وهو مايساعد على بنائها من جديد.
وختاماً فمسألة النقد الأدبي مسألة شاقة ومتشابكة لتعدد المدارس الأدبية والاتجاهات والمناشئ الفكرية التي تؤطر الإنتاج أو النص الأدبي، كما تتراوح من ناحية المبدع النصوص الأدبية بين النوع الكلاسيكي أو التقليدي والنوع الحديث.
العدد 1178 – 13 -2 -2024