“رواية الشباب بين الواقع والتطلعات”

إذا كان الأدب بأجناسه المختلفة يلعب دوراً مهماً في تشكيل الوعي الإنساني باعتباره إحدى وسائل التعبير فإنه لا يعدم دوره في إطلاق العنان للخيال، وتشكيل التفكير النقدي. فالقصة، والرواية، والمسرح، والشعر، ويضاف إليها السيناريو في العصور الحديثة كلها تؤدي دوراً واحداً بتأثيرات مختلفة.

والروايات لها اتجاهات متعددة، ومنها ما هو تحت مسمى (رواية الشباب) تلك التي تستنطق مشكلات مَنْ هم على أعتاب النضوج الفكري والنفسي، وهي تحظى بأهمية من خلال القضايا الخاصة بهم التي تطرحها، والموضوعات التي تهمهم، وأسئلة بعينها تشغلهم كالبحث عن الهوية الذاتية، أو عن الهدف في الحياة، كما العلاقات العاطفية، والتوجهات المهنية، والقضايا الاجتماعية. وهذه الأسئلة الوجودية تتناولها الرواية بما تستوعبه صفحاتها، ويبرع في كتابتها أدباؤها لتُلقي بأجوبة يبحث عنها الشباب في مرحلة ما في مواجهة ذواتهم، ثم مجتمعاتهم.

أما التحولات العاطفية في تلك المرحلة، والمشكلات التي تعترض في البحث عن الحب من منظور جديد، وقبول الآخر والتعاطف معه بنظرة حديثة، فتلك لها مسار آخر تعمل الرواية على تطويره نحو نضجٍ عاطفي حقيقي، وفهمٍ للمشاعر المعقدة، والتحديات النفسية، إلى جانب ما تقوم به ــ أي الرواية ــ من تحفيز للوعي، والتغيير الاجتماعي، مادام الأدب قادراً على استكشاف النفس البشرية، والتعبير عن الصراعات التي تعتمل فيها.. فهو إذن لا يعدم تأثيره على قرّائه، والمجتمع عموماً بالتالي.

وها هي معارض الكتب باتت تعتني برواية الشباب لتشهد ازدهاراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، واهتماماً متزايداً حيث يُخصص لها أقسام خاصة، وتُقام ندوات وفعاليات تهدف إلى الترويج لها، وجذب القرّاء باتجاه ما تطرحه دور للنشر من إصدارات جديدة تُعالج مختلف القضايا التي تهمّ الشباب العربي.. إلا أن رواية الشباب ما تزال دون المستوى المطلوب لها من الاهتمام لتحظى بالدعم، والتوجيه الكافيين من المؤسسات الثقافية عموماً إلا من بعضها. والاهتمام لا يقصد به كم الإصدارات بل إنها الموضوعات التي يتناولها الأدباء، والكتّاب، وما إذا كانت فعلاً تلتقي وطموحات الشباب، وتطلعاتهم نحو المستقبل.

فمن هذا الواقع نجد أن أغلب الإنتاج الروائي الذي يستهدف تلك الفئة من القرّاء أصبح يصدر عن الشباب أنفسهم في مساحة للتجريب قبل التعبير عن الذات، فإذا بهم يكتبون عن القضايا الثقافية، والسياسية التي يعيشونها في المجتمع العربي اليوم، وقضايا الجنس والجندر، والتوترات الاجتماعية المرتبطة بها وهم يعبّرون عن تجاربهم الخاصة، وعن التحولات الاجتماعية بمعاييرها المفروضة وبالتالي التحديات التي يواجهونها ومن بينها البحث عن الهوية والانتماء في ظلّ التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم العربي، وقضايا الهجرة وتأثيراتها من حيث صعوبات الاندماج في مجتمعات جديدة لها معايير حياتية مختلفة عن مجتمعاتهم الأم، كما تحديات التوافق بين الثقافة التقليدية، والتوجهات الحديثة.

وهؤلاء الكتّاب الجدد لا يترددون أيضاً في مناقشة قضايا الحرية، والديمقراطية، والرغبة في إحداث تحول إيجابي في مجتمعاتهم، ولهذا فهم يستخدمون الرواية كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج، والمقاومة، والتغيير السياسي.

وتأتي هذه الموضوعات في إطار تغيرات اجتماعية، وتكنولوجية سريعة، وثقافة رقمية تشهدها المنطقة العربية، حيث يتأثر الشباب بتطور نظم المعلومات، ووسائل التواصل الاجتماعي.. وبالتالي فهم يتمكنون من إيصال رسائلهم التي تتضمن أفكارهم بشكل أوسع وأسرع من خلال منصات التواصل عندما ينشرون قصصهم، ورواياتهم بشكل مباشر، ما يسهم في تعزيز تواصلهم مع الجمهور، وتحقيق نجاحات ملحوظة.

ومع ذلك يواجه شباب الكتّاب تحديات أيضاً عندما يجدون صعوبات في الوصول إلى النشر التقليدي، والترويج لأعمالهم الورقية، إلا أن منهم مَنْ يظل مصرّاً على التحدي، والمثابرة حتى الفوز. ولكن إذا كانت الموضوعات التي تطرحها تلك الروايات قد تشكل عائقاً أمام النشر الورقي لكثافة واقعيتها، أو لقتامة أجوائها، وعدم انسجامها مع الوضع العام لمجتمعاتها، فإن الواقعية السحرية في بعض روايات الشباب وجدت لها سبيلاً لخلق عوالم خيالية تُعكس الواقع العربي المعاصر، وتفتح باباً لمسار جديد في عالم رواية الشباب.

على أي حال فإن التنوع في الموضوعات التي تحتفي بها تلك الروايات ممّا يُثري الساحة الأدبية العربية، والتجديد في الأسلوب باستخدام أساليب مبتكرة ممّا يُضفي تنوعاً على الرواية العربية، والاستفادة من التكنولوجيا تحقق تفاعلاً أكبر مع الواقع لتشهد رواية الشباب مزيداً من التطور في المستقبل بحيث تمثل مستقبل الأدب العربي مادامت تعكس تطلعات الشباب العربي وآمالهم، وتعالج واقع مشكلاتهم ولاسيما مع ازدياد الوعي بأهمية القراءة.

آخر الأخبار
غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا "The Voice Of America": سوريا تتعهد بالتخلص من إرث الأسد في الأسلحة الكيماوية فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا استفزاز جامعة دمشق تختتم امتحانات الفصل الأول حين نطرح سؤالاً مبهماً على الصغار تكلفة فطور رمضان تصل إلى 300 ألف ليرة لوجبة متواضعة