أ. د. عبد الله المجيدل
ظهر مصطلح الذكاء الاصطناعي عام 1956 على يد مارفن منسكي وجون ماكارثي، وتوسع تعريفه وتطور بمرور الوقت إلى أن أصبح الآن يشير إلى الآلات التي تحاكي بعض مزايا الإنسان، من مثل: الإدراك والتعلم والتفكير المنطقي، وحل المشكلات، والتفاعل اللغوي، والعمل المبتكر، وبتنا نسمع بأمية الذكاء الاصطناعي المتمثلة بحاجة مواطني العالم إلى فهم الأثر المحتمل للذكاء الاصطناعي، وما يمكن له فعله أو عدم القدرة على فعله، ومتى يكون الذكاء الاصطناعي مفيداً، ومتى يجب التشكيك في استخدامه، وكيف يمكن توجيهه من أجل الصالح العام؟ وهذا يتطلب تحقيق مستوى من الكفايات فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك المعرفة، والفهم، والمهارات، وتوجيه القيم، وهذا ما يطلق عليه “محو أمية الذكاء الاصطناعي” والتي تتضمن محو أمية البيانات أو القدرة على فهم كيفية قيام الذكاء الاصطناعي بجمع البيانات، وتصنيفها، ومعالجتها وتحليلها، وكذلك محو أمية الخوارزميات، أو القدرة على فهم كيفية عثور الخوارزميات في الذكاء الاصطناعي على الأنماط والروابط بين البيانات والتي يمكن استخدامها للتفاعل بين الإنسان والآلة.
يجري حالياً استخدام مجموعة متنوعة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على المستوى الدولي، ويشهد العالم اعترافاً متزايداً بأهمية الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، وأنه سيؤثر في مختلف مجالات الحياة، وتشير توقعات اليونسكو بأنه بحلول عام 2030 ستتبنى 70% من المؤسسات العالمية نوعاً واحداً على الأقل من أنواع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وسيكون للذكاء الاصطناعي آثار عميقة وواضحة في الثقافة والتعليم والمعارف العلمية، والاتصالات والمعلومات، ولاسيما ما يتعلق بالسلام والاستدامة والمساواة وكثير من التحديات.
وتجدر الإشارة إلى أن إجماع بكين حول الذكاء الاصطناعي والتعليم تضمن سلسلة من التوصيات الخاصة بالتعليم، ومنها ضمان أن يعزز الذكاء الاصطناعي فرص تعليم وتعلّم عالية الجودة للجميع، بغض النظر عن الجنس أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الخلفية العرقية أو الثقافية أو الموقع الجغرافي وغير ذلك، إذ تعد تقانات الذكاء الاصطناعي موضوعاً جديداً لمختلف مراحل التعليم في أنحاء العالم جميعها، وقد لحظت تقارير اليونسكو نقصاً في كفايات الذكاء الاصطناعي، وتصميم منهجه، ولذا لابد من التركيز على محتوى هذه المناهج وإعداد أدوات التعلم والبيئات المطلوبة وطرائق التدريس المقترحة وتدريب المعلمين والتخطيط المستقبلي للسياسات المطلوبة لتحقيق ذلك، ولتصميم منهاج وطني وبرامج دراسية مؤسسية، واعتماد استراتيجيات التطبيق المطلوبة لتطوير كفايات الذكاء الاصطناعي في التعليم.
وتعد كفايات التعليم من المصطلحات التربوية التي ارتبطت بالعلاقة بين الذكاء الاصطناعي والتعليم، فالتعليم القائم على الكفاية، وهو أنموذج يجري اتباعه في التعليم العالي والتقني والمهني، ولكنه يطبق حالياً بشكل متزايد في مختلف مراحل التعليم ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال إلى نهاية المرحلة الثانوية، وعادة ما يكون التعبير عن الكفايات المطلوبة للمنهاج الدراسي من خلال نتاجات التعليم، أو ما يتوقع من الطالب معرفته وفهمه وما يستطيع القيام به عند الانتهاء من مرحلة دراسية محددة، وقد أدى التبني السريع والواسع النطاق للتعليم القائم على الكفايات إلى توترات طويلة الأمد في بنية أنظمة التعليم، وخاصة في التعليم الجامعي وكذلك التعليم المهني. فجميعنا لدينا الرغبة في إنتاج خريجين مجهزين للاستجابة بقدرة عالية في عالم سريع التغير. ومع ذلك، كثير منا يناضل من أجل المعرفة والمهارات والمواقف المطلوبة لتحديد الكفايات اللازمة وتوضيحها وتوثيقها وتقييمها وضمانها وضبطها عبر ارتباطات التعلم، وخبرات العمل والدراسة، وفي وظائف العمل. فالتعليم القائم على الكفايات يفرض علينا تغييراً في المعتقدات التربوية المألوفة والمواقف والسلوكات.
إن التعليم القائم على الكفايات (أو القائم على النتائج) هو عبارة عن أنموذج تعليمي مبني على تحقيق هذه الأهداف من خلال البدء بتعريف نقاط النهاية المطلوبة. وقد بدأ هذا النهج التنموي منذ 100 عام، وتعود أصول التعليم القائم على الكفايةإلى نهج تايلور (1911) الذي يركز على تحسين الأداء في مكان العمل. وفي الوقت نفسه، كانت الحركات التعليمية من أجل تحقيق الكفاية الاجتماعية وتحقيق الأهداف تدعو إلى ممارسات تعليمية تتسم بالكفاية والفعالية.
يمكن تحديد الهياكل التعليمية التي تتميز بالكفاية أو القائمة على النتائج من خلال بعض المظاهر أو النقاط الوظيفية منها: الأهداف التعليمية، النتائج، تحديدات الكفاية، وتحليلات المهام، وقوائم المهارات التوظيفية، وقوائم مراجعة الأداء والدرجات. ما هو شائع في هذه التجارب هو التركيز على الكفايات السلوكية بشكل كبير، وبالتالي تقييم المؤشرات المباشرة للكفاية المتحققة من خلال التجربة التعليمية، إذ إن هذه المؤشرات تعكس متطلبات الموضع التالي أو الأداء في مكان العمل.
إن نظام التعليم القائم على الكفاية إذا تم تنفيذه جيدًا، في ظروف إدماج الذكاء الاصطناعي بالتعليم، فإنه سيوفر إطاراً لأعضاء هيئة التدريس والطلاب ليصبحوا شركاء حقيقيين في المؤسسة التعليمية، إذ يحدد تصميم التعليم القائم على الكفايات نتائج التعلم اللازمة بالشكل الأدنى التي تربط الفصل الدراسي والمختبر والتجريب بمتطلبات التدريب في المستوى التالي والممارسة الواقعية. يتطلب التدريس بواسطة التعليم القائم على الكفاءة فهم بنية التعلم، بالإضافة إلى المعرفة والمهارة اللازمة لتكييفها بمرونة مع احتياجات كل متعلم على حدة.
لقد أدى إدخال الذكاء الاصطناعي في الحياة والعمل والتعليم إلى تغيير جذري في الطريقة التي يتفاعل بها الناس داخل مجتمعاتهم، وقد أثار ذلك أسئلة مهمة حول حقوق الإنسان والمسؤولية القانونية في الأضرار المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتوجه الفلسفي لتطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه، ومن المؤكد سيستمر الذكاء الاصطناعي في تغيير طبيعة الحياة والعمل، وبالتالي فإن الفهم الأساسي له أصبح الآن عنصراً حاسماً في مفهوم، “المواطن المتعلم” سواء أكان متخصصاً بالذكاء الاصطناعي أم لا.
ونظراً لأهمية كفايات الذكاء الاصطناعي ومجالاته وتكامله مع المجالات الأخرى فإنه من المستغرب تخلف البلدان العربية في دمج التدريب رسمياً في هذا المجال في التعليم ابتداءً من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي، فالدول العربية مطالبة بضمان منح الفرصة لمواطنيها من خلال تطوير مناهج الذكاء الاصطناعي ذات نتاجات تعليمية ما يتماشى مع أهداف السياسة الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والأخلاق وتطبيق النهج الإنساني في تطوير مناهج الذكاء الاصطناعي، وضمان خصوصية البيانات وتدريب المعلمين وتأهيلهم في ضوء الاحتياجات.. فهل ستظل التربية العربية على هامش التغيرات العالمية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي؟ وكذلك المواطن العربي بوصفه نتاجاً ومخرجاً من مخرجات هذه النظم التربوية؟ أم ستبادر الأنظمة التربوية العربية بإعداد المواطن للعبور إلى المستقبل مسلحاً بمختلف المهارات التقنية الضرورية لموطن المستقبل
* أستاذ بجامعة دمشق – كلية التربية