الدكتور ذو الفقار عبود
1- في مفهوم الهوية:
هل الهوية مجرد وهم؟، هذا ما يدعيه الفيلسوف المعاصر فرانسوا جوليان (François Julien) (1)، الذي يرى بأن الهوية الثقافية هي في تغير مستمر، كما عبَر عنها الفيلسوف الإغريقي هيراكليتوس (535-470 ق.م) (2) عندما قال: لا يمكن للمرء أن يخوض في ماء النهر مرتين أبداً.
ليس ذلك فقط، بل ذهب البعض إلى أن الهوية مشحونة بالعقيدة السياسية دائماً، ولا تنفصل عنها بالضرورة، وقد ابتدعها الغرب تحقيقاً لأهدافه ولذلك أنشأ لها هيئات ومنتديات تدافع عنها باسم الدفاع عن حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، كل ذلك تحت ستار الديمقراطية، التي هي نفسها كانت محط تحذير الفيلسوف سقراط (470-399 ق.م) (3) الذي كشف خطورتها على القيم الإنسانية السامية عندما قال: (الديموقراطية هي النسخة الفاشلة من حكم الجموع، وفشلها هو بسبب عدم ربطها بالحكمة).
في العصر الحديث، وضع الفيلسوف رينيه ديكارت (Descartes)(4) قواعد عقلية لتوجيه العقل نحو الحقيقة المطلقة، ومن أهم هذه القواعد: عدم قبول كل ما هو غامض. لكن الهوية من أشد المفاهيم غموضاً وضبابية.
فمتى نشأ مفهوم الهوية؟ ولماذا؟ وسؤال لماذا هو الأهم؟
في الحقيقة، من غير المعروف بدقة الزمن الأول الذي ظهر فيه مفهوم الهوية، رغم أن بدايات ظهور هذا المفهوم ارتبطت زمن الإغريق بالمنطق الأرسطي نسبة للفيلسوف أرسطو (384-324 ق.م) (5): لا يمكن منطقياً أن يكون الشيء هو نفسه وشيء آخر في نفس الوقت. فالشيء هو نفسه فقط.
وفي زمن الإغريق، عاش الأفراد دون هاجس تحديد الهوية، فالناس إما سادة أو عبيد، وكل من هو ليس يونانياً، هو بالضرورة بربرياً.
ثم لاحقاً، في المجتمعات القبلية، انصهرت هوية الفرد في القبيلة، (وما أنا إلا مِن غزيَةَ، إن غَوَت غوَيتُ …. وإن تَرشُد غزية أرشُدِ).
هنا ارتبط الفرد بقبيلته هوياتياً، يفكر بتفكيرها، يطبق تعاليمها وطقوسها، فلا قيمة له خارج حدود هوية القبيلة، وتميزت تلك الحقبة بالتفكير الجمعي المتمثل في ظهور الأسطورة.
لاحقاً مع ظهور الأديان التوحيدية، انغمست هوية الفرد في هوية الإله، وعاش الفرد في اطمئنان وتسليم، حتى انفرط عقد هذا الاطمئنان على يد ديكارت عندما قال: (أنا أفكر إذاً أنا موجود). ديكارت الذي أرجع وجود الإنسان إلى العقل، والذي هو الضامن لوجوده، وهو المسؤول عن حريته، وعقل الإنسان وحده هو القادر على اكتشاف وحدة وحقيقة وجود الإنسان.
وهكذا صار العقل عند ديكارت هو جوهر قائم بذاته، يكفي ذاتَهُ بذاتِهِ، وليس بحاجة إلى من يثبت وجوده، فهو عقل ثابت أبداً، وهذه الخاصية هي جوهر هوية الإنسان.
إذاً: عد ديكارت امتلاك العقل هو شرط امتلاك الهوية، وانعدام العقل هو انعدام للهوية. لكن هنا ثمة سؤال إشكالي: هل يعيش الإنسان داخل المجتمع ام داخل عقله؟ فالفرد عاجز عن تأمين حاجاته منفرداً واعتماداً على نفسه فقط أو عقله = هويته.. وبالتالي هو بحاجة لغيره ككائن اجتماعي كما ذهب أرسطو ثم ابن خلدون (6)، لذلك فالإنسان يتفاعل مع الغير، يؤثر ويتأثر، يصبح داخل مجتمع، يتشبع بثقافته، هذه الثقافة التي هي بمثابة كائن غريب يساهم في تحديد أنا الفرد الخاصة، وعندما ينظر الفرد إلى أناه فإنه ينظر إليها من خلال الآخر والذي هو هنا الثقافة، لذلك يقول الفيلسوف آرثر رامبو (Rimbaud) (7) في هذا الصدد: أنا هو أنت.
2- في توظيف الهوية:
لقد استخدم الاستعمار مسألة الهوية كأداة للسيطرة والهيمنة، وأداة لتفجير المجتمعات من الداخل، وفي هذا الإطار تحدث برنارد لويس (Bernard Lewis) (8) عن الأقليات المتكاثرة ليبرالياً.
لقد استخدم الغرب أفكار الثورة الفرنسية وروج لها لتفتيت الإمبراطورية العثمانية وذلك باستخدام النزعة القومية، وهذا ما استفاد منه العرب ليحصلوا على استقلالهم عن العثمانيين، ليقعوا لاحقاً في فخ استعمار آخر هو الاستعمار الأوروبي.
لقد استعمل الأوروبيون النزعة الوطنية والنزعة القومية بدلاً من الدين لتصبح الأمة هي مصدر الهوية والولاء للدولة، هذه الأفكار ساهمت في تقويض مشروعية الأنظمة السياسية التقليدية، التي كانت تقوم على سلطة الدين والهوية الدينية، وهكذا بدأ المشروع الأوروبي لغزو العوالم الأخرى يستند على خلق إشكاليات تتعلق بالهوية، وبدأت النشأة الإيديولوجية للعلوم الإنسانية، ونشأت الأنثروبولوجيا كأداة للمعرفة وتطويعها لتصبح سلطة وقوة، وهكذا ركزت الدراسات والبحوث الأنثروبولوجية كأداة استعمارية على دراسة الآخر غير الأوروبي بينما تم تخصيص السوسيولوجيا لدراسة المجتمع الأوروبي الغربي القائم على التصنيع.
إذاً: ظهرت الأنثروبولوجيا كعلم لدراسة الإنسان غير المتحضر/ غير الأوروبي/ البدائي/ المتوحش/ اللاتاريخي/الذي لا يمتلك تاريخاً مكتوباً. مرت الأنثروبولوجيا بمراحل عديدة بدءاً من القرن الثامن عشر، بدأت مع الرحالة الأوروبيين الذين كانوا نواة استعمارية، ثم مع المفكرين العنصريين الذين وسموا الشرق بالمتوحش، ولاحقاً مع البعثات الدينية والتبشيرية التي كانت تتم بتنسيق مع المؤسسات الاستعمارية.
إذاً: الأنثروبولوجيا الأولى كانت عنصرية ومركزية أوروبية وضمن مشروع سياسي استعماري، وذات نظرة عنصرية تنظر للآخر كموضوع أو شيء لخدمة الذات العالِمة التي يمثلها المستعمِر، والذي يسمي الآخرين بالشعوب البدائية.
الأنثروبولوجيا الأولى روجت للاستعمار بأنه صاحب مشروع حضاري ورسالة إنسانية موجهة إلى الشعوب الهمجية لتمدينها وإدخالها التاريخ الغربي ومنحها الهوية الغربية الحضارية، لذا عليها نكران تاريخها غير المكتوب واستبداله بتاريخ الغرب المكتوب، واستخدم الغرب كل ما يمكن من أدوات لإحلال هويته محل هوية الشعوب الأخرى، من القوة الناعمة كالتبشير والبعثات الدينية، والتثقيف ثم التخويف وصولاً إلى القوة الخشنة والمفرطة والحروب والإبادة، لدرجة دفعت البعض للربط بين الغرب والتمدن والاستعمار كهوية واحدة.
لاحقاً، وكنتيجة للانتقادات التي طالت الأنثروبولوجيا الاستعمارية بسبب عنصريتها، ظهرت الأنثروبولوجيا البنيوية بخطابها الإنساني الذي حاول إخفاء وجهها الاستعماري، رغم ما شاب خطابها من مفاهيم امبريالية كمفهوم التثاقف والذي هو مجرد قناع استعماري جديد.
لاحقاً تبرأ كثير من المفكرين من الأنثروبولوجيا الاستعمارية ومنهم كلود ليفي شتراوس (Claude Lévi-Strauss) (9)، جورج بالاندييه (Balandier) وجرمين تيليون (Germaine Tillion) وفرانسواز إريتييه (Françoise Héritier) (10)، بسبب ارتباطها بالنزعة المركزية الغربية ومحاولتها فرض مفهوم الهوية الغربية ما أفقدها موضوعيتها. وقد شكلت الأنثروبولوجيا أكبر معول لتهديم ثقافة الشعوب عبر خلق هويات وهمية وزائفة بدعوى حماية الأقليات والأعراق والثقافات الهامشية وإشعال نار الهويات القاتلة، وهذا ما شهدناه في ما سمي بثورات الربيع العربي، والتي ماهي سوى وهم ومشاريع استعمارية تهدف لخلق هويات زائفة متعددة متكاثرة متصارعة داخل المجتمع الواحد لتفتيته وإضعافه واحتوائه ثم الهيمنة عليه.
هذا هو التفسير المنطقي لمحاولات الغرب تصدير قيم الديمقراطية الزائفة المزعومة لتأجيج الصراع الهوياتي وإضفاء المشروعية على هويات لا جذور لها في التاريخ من خلال شراء الأبواق التي تدافع عن المخططات الغربية.
3- أسئلة الهوية في مرحلة ما بعد الحرب:
لقد طُرِحَت مسألة الحفاظ على الهوية الوطنية والانتماء في الأوساط العلمية والأكاديمية منذ تسعينيات القرن الماضي، على خلفية المتغيرات الدولية، وانهيار النظام العالمي ثنائي القطبية، وبداية تشكل عالم أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية جراء تفكك الاتحاد السوفييتي السابق.
سعت الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة للسيطرة على العالم، باستخدام الأدوات التقليدية المتمثلة بالهيمنة السياسية المستندة على الذِّراع العسكري والإمكانات الاقتصادية الهائلة، ثم بدأت باستخدام أداة جديدة أخطر وأقل كلفة، وهي التَّغيير الفكري والثقافي الذي ينال الهوية الوطنية للدول في أسسها وثوابتها، وفرض ثقافة وهوية عالمية؛ بالاعتماد على الأدوات الجديدة مثل الامبراطوريات الإعلامية، التي تولَّت صناعة الأفكار والتَّرويج لها على مستوى العالم كله، لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي، والقضاء على الهوية الوطنية، لتحل محلها هوية عالمية متناقضة معها وتسعى لتحل محلها في وجدان الأجيال الجديدة.
انتشرت الأفكار الغربية الجديدة تحت ستار الحداثة، التي تضمنت في جوهرها مذهباً أيديولوجياً جديداً للتغيير والتطور والتقدم، باسم الحرية ونشر الأفكار الديموقراطية، وفُرِضَت مسألة قبول الثقافة والهوية العالمية وتبنِّيها كوسيلة وحيدة للتغيير والنهوض بالمجتمعات، والتَّخلص من عوامل ضعفها وتخلفها، وبدأت موجات الثورات المصنعة تجتاح العالم بدءاً مما سمي بالثورات المخمليَّة في أوروبا الشرقية، مروراً بالثورات الملوَّنة، وانتهاءً بما أسموه ثورات الربيع العربي، التي رافقها تصنيع لبعض النُّخب السياسية التي أريد لها أن تتحكم بقيادة وتوجيه الأحداث في الدول التي شهدت تلك الثورات، فكانت النتيجة كارثيَّة على الدول وشعوبها، وكان من نتائجها فوضى عارمة، وتدمير ممنهج لتلك الدول، وأعادها إلى العصور الوسطى.
الهوية العالمية المفروضة قامت بنسف الهوية الوطنية تحت شعار التغيير الفكري والثقافي، ونشر الأفكار الليبيرالية الجديدة، التي روجت لها الإمبراطوريات الإعلامية، كما قامت بتفكيك وَنَسف القيم الدِّينية والرُّوحية والأخلاقية من جذورها لدى الكثير من أبناء المجتمع، وَاستدعت من التاريخ الصِّراعات الطَّائفيَّة والمذهبيَّة والعرقيَّة، وزرعتها في عقول الناس تحت مسمى الدفاع عن حقوق الأقليات المضطهدة، وجعلت كل ذلك جزءاً من وعي وثقافة الأجيال الجديدة، وبهذا جعلت الإنسان مقطوعاً عن جذور ذاكرته الأصلية، وبسببها يدور في دوامة إعصار تاريخي، لم يشارك في صنعه، وأخطر ما يتعرض له اليوم هو ظاهرة تضييع الذاكرة وإلغائها وفق عملية ممنهجة ومدروسة، للتخلي عن الجوهر الروحي، وتبني الميول والغرائز البدائية، فكانت أداة التغيير تدمير الهوية الوطنية، وصولاً لتدمير الدول والمجتمعات، من دون أن تنتبه النخب إلى حدّة التغيرات النوعية التي تصيب الهوية والانتماء الوطني.
في فترة ما بعد الحرب، ستواجه الهوية والانتماء الوطني تحديات كبيرة، بعضها بسبب مفرزات الحرب، ومعظمها نتيجةً للتغيرات المستمرة في العالم المحيط. فتأثير التطور التكنولوجي والعولمة المستمرة لا يمكن إغفاله، حيث يؤثران بشكل كبير على الهوية الثقافية وتشكيل الروابط الثقافية بين الأفراد والمجتمعات، لذلك يُعَدُ فهم تلك التحديات والتحضير لها من أهم وسائل الحفاظ على الروابط الثقافية وتحقيق الترابط الاجتماعي والحفاظ على الهوية الوطنية.
من أهم التحديات المستقبلية التي تواجه الهوية والانتماء، تأثير التطور التكنولوجي المستمر الذي يغير أسلوب التواصل والتفاعل الاجتماعي ما يؤثر على بناء الهوية الثقافية للأجيال وتطور الروابط الثقافية بينهم.
كما تُعَد العولمة تحديًا كبيرًا يواجه الهوية والانتماء في المستقبل بحيث يصبح من الصعب الحفاظ على الهوية الثقافية الأصيلة وبناء الروابط الثقافية المتينة. لذا فإن فهم هذه التحديات والعمل على تطوير استراتيجيات فاعلة للتحضير والتكيف معها يعد ضروريًا للحفاظ على الروابط الثقافية وتعزيز التفاهم وصون الهوية الوطنية.
الهوامش:
(1) فرانسوا جوليان: فيلسوف فرنسي معاصر، وأستاذ في جامعة السوربون، ومدير معهد الفكر المعاصر في باريس، كما تولى إدارة المعهد الدولي للفلسفة خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي.
(2) هيراكليتوس: أصر على أن الوجود في تغير دائم باعتبار التغير هو الجوهر الأساسي في الكون. ويُعدُ ذلك أحد النقاشات الأولى لمفهوم الصيرورة الفلسفي، وقد تعارض مع كلام بارمينيدس القائل بأنه: «يبقى المرء على ما يكون عليه». وتلك إحدى النقاشات الأولى في مفهوم الكينونة الفلسفي.
(3) سقراط: فيلسوف يونانيّ من أثينا كان على معرفة بمذاهب العديد من الفلاسفة قبله، مثل: بارمينيدس، وهيراكليتوس، وأناكساجوراس، وغيرهم، وعُرِف بمعارفه العقليّة الواسعة قبل بلوغه سنّ الأربعين، بالإضافة إلى أنّ حاكم دلفي أعلن بأنّ سقراط أحكم رجل في اليونان.
(4) رينيه ديكارت: فيلسوف، وعالم رياضياتي وفيزيائي فرنسي، يلقب بـأبو الفلسفة الحديثة، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته،خصوصًا كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى-1641م) الذي ما زال يشكل النص القياسي لمعظم كليات الفلسفة. كما أن لديكارت تأثير واضح في علم الرياضيات، فقد اخترع نظامًا رياضيًا سمي باسمه وهو (نظام الإحداثيات الديكارتية)، الذي شكل النواة الأولى للهندسة التحليلية، فكان بذلك من الشخصيات الرئيسية في تاريخ الثورة العلمية.
(5) أرسطو: فيلسوف يوناني تتلمذ على يد أفلاطون وكان أستاذ الاسكندر الأكبر وبطليموس الأول. كتب عن الفيزياء، الميتافيزياء، الشعر، الدراما، الموسيقى، المنطق، السياسة، الحكومة، الأخلاق، البيولوجيا. يعد أرسطو مع سقراط و أفلاطون مؤسسي الفلسفة الغربية. آراؤهم أثرت في الفيزياء والعلوم فى العصور الوسطى وبقي تأثيرها مستمر حتى عصور النهضة.
(6) ابن خلدون: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، فيلسوف عربي من شمال أفريقيا، تونسي المولد، أندلسي الأصل، يُعرف بأنه مؤسس علم الاجتماع في العصور الوسطى، ويُعَدُ أبو علم التأريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد والديمغرافيا.
(7) آرثر رامبو: شاعر فرنسي 1854- 1891، عُرِفَ بتأثيره على الأدب والفنون الحداثية ورسمه للمعالم الأساسية للفنون السريالية.
(8) برنارد لويس: أستاذ فخري بريطاني-أميركي لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون. وتخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب وتشتهر خصوصا أعماله حول تاريخ الدولة العثمانية وهو صاحب نظرية نشر الديمقراطية لمحاربة الإرهاب.
(9) كلود ليفي شتراوس: عالم اجتماع وأنثروبولوجي فرنسي، يعتبر فيلسوف البنيويّة أو المنهج البنيوي. أثر في أجيال من الباحثين، اقترح فهماً جديداً للآليات الاجتماعية والثقافية من خلال تطبيق التحليل البنيوي على العلوم الإنسانية.
كما اشتغل أستاذا فخرياً في (Collège de France) وأسس الأنثروبولوجيا الحديثة، وكان الأنثروبولوجي الأول الذي انتُخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية في أيار 1973.
(10) جورج بالانديبه وفرانسواز إريتييه وجيرمين تيليون: علماء فرنسيون واجهوا العنصرية الأوروبية تجاه الأفارقة، وأظهروا كيف تم ربط الكفاح ضد الاستعمار مع نظرة معكوسة للعالم وفقاً لمفردات دينية، واستمدوا من ذلك فكرة أن مناهضة الاستعمار تم التعبير عنها من خلال حركات دينية أعادت صياغة حالة الهيمنة.
وقد كثرت الدراسات حول الأدب الاستعماري وتاريخ تصارع القوى العظمى وأثرها على الشعوب الأضعف التي انتُهِكت حقوقها. ورغم كل ذلك، بقي الرجل الأبيض – حتى بالنسبة للعلماء – ينظر إلى الشعوب المستعمَرة نظرة فوقية، فندر وجود علماء ينظرون إلى أرض الواقع من منظور هذه الشعوب، حتى ظهر علماء الأنثروبولوجيا جورج بالانديه وجرمين تيليون وفرانسوا إريتييه. محاولين تغيير العديد من الصور النمطية المتأصلة حتى في مجالات العلوم.
* أستاذ في جامعة تشرين – سورية.