الثورة – ديب حسن:
ثلاثة عناوين متقاربة متشابهة، الأول في الأعلى، والثاني: هل الحكومة أذكى من الإعلام؟والحكومة هنا مفرد قد يعني حكومتنا، والثالث: هل الحكومات بحاجة إلى الإعلام؟ أي حكومات في العالم، ولكن الرأي استقر على العنوان الأول: هل الحكومات أذكى من الإعلاميين؟
أَي حكومة في أَي دولة من العالم الآن.. سؤال قد تكون الإجابة عليه نعم ولا.. وعلى قدر التساوي فالإعلام الآن لم يعد ناقلاً للحدث، بل هو مهيىء له وصانع وموجه.
وفوق هذا وذاك يمكن القول: إن الإعلام هو الحكومة العالمية الخفية والعلنية.. وهنا يطرح السؤال التالي: هل يعني أن الحكومات تخلت عنه..؟
في الإجابة بالتأكيد: لا.. ولا يمكنها أن تتخلى، ولكنها تديره بذكاء في العالم كله، وكل التطور الذي يحصل في الإعلام يصب في مصلحة الحكومات، فالإعلام الآن علم العلوم فيه من كل علم طرف علم النفس والاجتماع والطب والآداب والفلسفة وفيه الآداب والصور والأدوات التقنية الهائلة التي تفتقت عن مواقع التواصل الاجتماعي، فغدا العالم غابة من الشبكات، والإشارات.
صحيح أنه صغر وتقارب، لكنه تباعد كثيراً في عمق الأسرار، وبالتالي في هذه الغابة القوة للأسرع لأسلوب الأذكى لمن يعرف كيف يدير الدفة.
هذا الواقع حطم ما يسمى الإعلام التقليدي إلى غير رجعة، ومع ذلك ما زال له دور ما لا يمكن الاستغناء عنه.
في حالات كثيرة يظن الإعلامي أن الحكومة – أي حكومة- يجب أن تموله وتقدم له كل الإمكانات ليقوم هو بما يقوم به، وغالباً النقد، أليس هذا كمن يطلب سلاحاً من صاحبه ليطلق النار عليه ويقتله؟
هل من حكومة في العالم تفعل ذلك؟
بالتأكيد لا.. قد تعطيك سلاحاً محدود الفعالية وتسمح لك أن تطلق منه النار، ولكن ليس من أجل أن تصيبها بمقتل.. بل من أجل أن يثق بك الآخرون.. وحين تحتاجك تطلق النار معها وليس عليها.. ونحن للأسف لم نصل إلى هذه الحالة بعد.
وفي الحديث عن مرجعيات الإعلام التي يتحدث بها الكثيرون.. يجب القول بوضوح أن مرجعيته لمن يموله ويدعمه سواء أكان حكومات أم أفراداً أم شركات، ويعمل وفق خطط واستراتيجيات تضعها هي.. قد تسمح بمرونة كبيرة في الحركة أو لا تفعل.. وقد يكون الإعلامي بارعاً في انتزاع ما يريد، فالحرية، أي حرية محدودة بمعايير محددة، والإعلامي من يستطيع أن يوسع دائرتها حسب اجتهاده.
والآن في القول إن الحكومات في العالم تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي وهي تعرف أنها ليست إعلاماً فهذا صحيح لسبب بسيط أنها تحقق، كما أشرنا، غاياتها المرجوة سواء من سرعة نشر شيء ما أم التضليل حول قضية ما أيضاً والخروج منها على أساس أنه كلام مواقع تواصل.
هذا يجعل الإعلام الحقيقي في معركة جديدة هي إعادة بناء الوعي بمخاطبة العقل والعمل على العمق بهدوء، وهذه مهمة ليست سهلة أبدا وتتطلب أدوات جديدة ومهارات جديدة يجب أن يعمل عليها، وعليه أن يكون قادراً على استغلال التقنيات الحديثة ببراعة كما تفعل الحكومات.
ولا نبتعد عن الصواب إذا ما قلنا إن التسطيح في الرسالة الإعلامية في الكثير مما نراه سببه بعض الإعلاميين.
وفي القوانين والضوابط القانونية التي يحتكم إليها الإعلام، أو ما يسمى قانون الإعلام، فالحكومات تريده أن يكون بما يناسبها وتوجهاتها وحسب مصلحتها.
وكذلك الإعلامي يريده حسب مصلحته، أما الحقيقة فيجب أن يكون وفق المصلحة الوطنية العليا فهي مرجعيته وأساسه.
في العالم كله ثمة مقولة (المصلحة الوطنية العليا)، وهذا ما يجب أن يكون.. الإعلام اليوم غيره أمس.. وغداً غيره اليوم..؟ والإعلامي البارع من يطور أدواته ولا ينتظر أن يمنح حرية من أحد، أو تقدم له معلومة على طبق من ذهب.
