الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
أتذكرون كراستكم المسائيّة الأولى، جانب وسادتكم، أو بمتناول أيديكم أينما كنتم، تكتبون، تمحون تلعثم حروفكم، ثم ترمون أفكاركم المتصدّعة في سلّة المهملات؟، أتذكرن أيّتها النساء حين تركُنُ أفكاركن لتغدو رهن إشارة للوقت!، تتركن تنظيف المنزل، لتكتبن الفكرة العالقة قبل أن تسقط سهواً في سطل الغسيل وفي إناء الطّبخ، قبل أن يهب ضجيج الحياة ويقذفها إلى الفناء دون رجعةٍ مع صراخ ابن شاكٍ وطفلٍ باكٍ؟.
نكتب سرّاً نحتفظ بما كتبناه شعراً وأدباً فإمّا أن ينشر ونحتفي بولادته ونحن على قيد الحياة، أو يخلق يتيماً دوننا.
ليس تحيزاً للمرأة في أيام الشّعر بقدر ما هو تذكر نساء شاعرات أمّهات احتفين بكتابة الشّعر كبلسمٍ شافٍ للجروح كمضاد اكتئاب مؤقّت، كتبن في الظّل، حتى أصبحن فيما بعد ظاهرة شعريّة نسائيّة، منهن الشّاعرة « مارينا تسفيتايفا» التي لا تشبه أحداً، لغتها الهادرة جعلتها تواجه الموت في كل حرف وتلوم الحياة مع كل قصيدة، وهي القائلة «سيحين وقت أشعاري، شأنها شأن النّبيذ النّادر»، لكن وقتها لم يحن إلا بعد موتها، أو بعد انتحارها.. مارينا من أهم الشّاعرات الرّوسيات اللواتي تركن لغة ساطعة في سفر الشّعر الروسي، بطابع رومانسي غني بثيمات القهر والتشرّد والتعاطف مع المنبوذين، كتبت عن اليوميّات التي عاشتها كنادلة وغاسلة صحون لتطعم ابنتها، وصور الحياة اليوميّة لأبناء مجتمعها، ومع كل هذا القهر بقيت تكتب للحبّ الحبّ حتى بات قبرها في «ييلابوغا» قِبلة لعشّاق الشّعر الروسي الأصيل، لها جملة شهيرة «في سفر الفناء، لا غواية للنساء، إنه فن الحّب، لنساء الأرض كلها، في القلب سمّ العشّاق والسمّ أصدق، فالمرأة منذ المهد، ذنب قاتل لأحد ما، ما أبعد الطّريق إلى السّماء! ما أشد تقارب الشّفاه في العتمة! رباه، لا تحكم علينا.. لأنك لم تكن امرأة على الأرض».
العدد 1184 –2-4-2024