الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
حفل شهر آذار بالعديد من المناسبات الثقافية المهمة العام الحالي، وتبدو حاضرة بقوة وليست آنيَّة: ولادة الشاعر نزار قباني من خلال آرائه في الإبداع، ومرور مائة عام على ولادة حنا مينه بعد أن صار حكَّاءً، واختيار الشاعر صقر عليشي للاحتفاء به عربياً وتميُّزشعره بأصالة التجربة وحداثتها تكريم شعراء سورية الشاعر منذر يحيى عيسى اعتبر أنَّ تكريم الشاعر المتألِّق صقرعليشي عربياً تكريماً لشعراء سورية كلِّهم، كونه شاعراً رؤيوياً بامتياز له فرادته في الإبداع الشعري. كم أسعده جداً، عندما قرأ كتاباً بعنوان :»دراسات عربية في فلسفة العلوم، رؤى في العلوم» ، للدكتور محمد غفر الباحث في الطاقة الذرية، وباعتباره أديباً له أكثرمن عمل روائي، لافتاً إلى أنّه تعرّف إليه من خلال روايته «أقاليم منسيَّة» الصادرة عن وزارة الثقافة، إضافة للعديد من الكتب في البحث العلمي. وخاصة حين وجد المقطع الشعري الآتي للشاعر ( صقرعليشي) في سياق بحث علمي: « هكذا نحن لا أبسطَ منَّا ! لا أطيبَ منَّا ! مُستعدُّون لأن نسقط لكن كحبات المطر « يتابع الشاعر عيسى بأنَّ الباحث اكتشف أيقونة جميلة من استقراء تفاضلي لجمالية المنظومات المائية، فالتوصيف سعي ووعي، والسقوط حركة، وانتقال وأداء، ودلالات فيزيائية في حين أنَّ حبَّات المطر ؛ كانت منتجاً تفاضلياً ينمُّ عن مقدرة استخلاصية راقية، ورمز للعطاء والصيرورة، منوِّهاً بأنَّه يشعر بسعادة وفرح غامرين؛ حينما قرأ للباحث في حينها على صفحتي الشعر ويرى فيه جماليات، وحقائق العلم. وأشار الشاعرمنذر إلى أنَّ الشاعرصقر عليشي يقتطع من جسده وروحه شعراً، يجري بعفوية نبع يتدفق عنوة من بين صخور جبالنا، لأنه يكتب بعفوية وصدق.
يسيطر عليها المنطق والبساطة والرؤيوية، هدفه عالم خال من الشرور؛ يسوده الحبّ والوفاء والإيثار؛ منسجماً مع مايؤمن به من أفكار ومع ما يحمله من مبادئ فصقر عليشي له خطّه الشعري الخاص وليس مقلداً، وربَّما يكون متأثراً بآخرين، واستطاع أن يكون له خطّه المميز، إنه الشاعرالقادم إلى المدينة من ريف غني؛ لم يستطع الفكاك من سحر مشاهده الساحرة، كما لم يستطع مغادرة طفولته؛ وفق رؤية الشاعر منذرورأى بأنَّه نبع يرفد نهر إبداعه الشعري؛ ولاينضب ويرافق مسيرة حياته وإبداعه من منجزه الشعري أذكر/ كتاب اللمحات /، فسحرني بعذوبته وبساطته وعمق محتواه. حساسية خاصة كما بيَّن الناقد أحمد علي هلال بأنَّه من خلال افق الشعرية الجديدة وحركتها وديناميتها الحداثية وفي انعطافاتها التاريخية تبرزأصوات دلَّت على حساسية خاصة على مستوى تشكيل الرؤيا وانفتاح المعنى وأصالة التجريب، ومنها صوت الشاعر صقر عليشي وحضوره المكين في منجزه المتواتر وعلى مساحة الشعرية السورية والعربية بكل محمولاتها الفكرية والمعرفية تجديداً في نسق القصيدة العربية وليمنحها زخماً رؤيوياً باذخاً وبكلّ ما اشتملت تجربته عليه من تقاطعات واشتغالات على مستوى حداثة الفكرة والصورة والسياق فكانت تجربة باذخة بعلاماتها، شكلاً ومضموناً ومتناً مغايراً وتوقداً في الذهن الشعري وتخصيباً لقصيدة الرؤيا، ما يمنحها الشاعرعليشي أبعاداً جديدة تقوم على هندسة الإيقاع وتشكيل الصورة. ثم أوضح الناقد هلال بأن الجهر بالكثافة الجمالية يمنح القصيدة أكواناً متعددة من التأويل والقدرة على اجتراح شعرية الاختلاف ومساءلة القصيدة بوصفها تجربة مفتوحة على ذروات من التجريب الخلاق بما يغتني بمكونات درامية واضحة واستثمارلمعطى حداثي سنراه في التعدد والتنويع داخل ثقافة النص الشعري وصولاً إلى حرارة التجربة وتمثلها بوعي أصيل والانطلاق منها إلى غير أفق جمالي لا يكتفي برؤية الذات بل العالم والآخر لتصبح مدوناته الشعرية تشكيلاً كثيفاً للمعنى الشعري وافتراعاً لأدوات قادرة على صوغ تلك العمارات الواسعة ليشير بديوانيه: «معنى على التل» و»أسطورة فينيقية» وما تنكبه الشاعر في مغامراته الواعية للقبض على دالة المعنى عبر مرئياته وسردياته الشعرية مُكثِّفاً فيها موقفه الجمالي من الذات والآخر والعالم والأشياء. في حين أشار بأنَّه يمنح قصائده عبوراً جديراً إلى أبدية البقاء فلا عحب إذن أن تختاره الألسكو بوصفه الصوت الأكثر تمثيلاً للثقافة العربية وبما أنجزه من مدوّنات قادرة على أن تلهم وتبث ثقافة عابرة للثقافات في تقاطع محسوب لكونية الشعر وجدواه في زمن شعري مفارق. يحضرالكبار نجوماً بدوره الشاعر جابر أبو حسين أفاد بأنَّ كلَّ الأعياد تلتقي في حفل يدعو إليه الشعر في يومه فتحضر المرأة أرضاً وأماً وحبيبةً وربة للخصوبة، ويحضر الكبار نجوماً وصانعي عطر وأثر خالد تصهل خيول الذاكرة فيظهر فارس قصيدة ملأت البلاد وطلبتها جماهير الشعر فحفظتها وغنتها وحجزت معها على متن رحلة يقودها نزار قباني المسافر الحاضر ليس بشعره المحرض أن يكون كالخبز يصل إلى كل الناس فحسب وإنَّما بما تركه من أثر نثري لايقل نضارة عن شعره، متضمناً آراءه النقدية وتصوره لفن الشعر وحركته وتطوره، مبرزاً الكثير من مفاهيم خاصة ألبست القصيدة حللاً عصرية أظهرت انسجاماً أنيقاً بين فتى الشعر الثائر وشيخ النقد المجدِّد . ثم يتابع الشاعر أبو حسين بأنَّ ربَّان الرواية السورية يدخل من أوسع الأبواب مبحراً في الذاكرة رغم أنواء الغياب يحضر حنا مينه ياطراً ومصباحاً وشراعاً ويمَّاً، ونكتشف أنَّنا مازلنا نراه أكثر اتساعاً من بحر، ثمَّ نُحلِّق عالياً مع قصيدة صقر حيث خطت مساراً جميلاً شفيفاً لها فطيرها فراشة وعصفوراً وفكرة لماحة عاليةً فانتشرت عطراً وألواناً وتغريداً يتردد صداه اليوم في الفضاءات والمدن، فنشعر بمتعة الأدب ونشوة الشعر حقاً ونستحضر عوالم حنا مينه وروائع نزار لكنَّنا نرفع الآن نخب الدهشة والسمو لصقر عليشي فرحين فخورين بتكريم أعلنته الألسكو ونعتبره تكريماً لنا جميعاً وللشعر الحق.
العدد 1184 –2-4-2024