الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
مع احتفال منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها هذا الشهر، كانت الاحتفالات مصحوبة بواقع مثير للقلق، حيث يبدو أن سبب وجود الحلف قد عاد إلى أصوله دون تغيير كبير.
قال اللورد إسماي، الأمين العام الأول لحلف شمال الأطلسي، في عبارته الشهيرة إن الحلف تم تشكيله “لإبقاء الروس خارجاً، والأمريكيين في الداخل، والألمان في الأسفل”.
وبعد مرور ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن من الزمان، وباستثناء العامل الألماني، يظل الهدف الأساسي الذي حدده إسماي دون تغيير إلى حد كبير.
تأسس الناتو في الرابع من نيسان عام 1949 رداً على “الاحتمال الحقيقي للغاية لغزو سوفياتي لأوروبا”، ويجد الناتو نفسه مرة أخرى في مواجهة روسيا باعتبارها” تهديداً محتملاً يتطلب الردع”.
عند مقارنة المشهد الجيوسياسي الحالي في أوروبا بالظروف التي سادت في السنوات التي أعقبت تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي، يصبح من الواضح أن القليل قد تغير.
وتحافظ روسيا على وجود كبير في أوروبا، في حين يسعى حلف شمال الأطلسي إلى المزيد من التوسع.
بالإضافة إلى ذلك، قد تظهر مجموعات جديدة من التحالفات والشركاء حول العالم، مما يعيد تشكيل مشهد الأمن العالمي.
من حيث المبدأ، وفي سياق المنافسة بين القوى العظمى، قد لاتعمل منظمات الأمن الجماعي دائماً كقوى استقرار، وفي أحسن الأحوال، فإنها تؤسس للردع من خلال هيمنة المجموعات المتفوقة عسكرياً.
وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تكون مزعزعة للاستقرار، مع تأثيرات يتردد صداها على نطاق واسع وتستمر لعقود من الزمن.
على مر التاريخ، عملت الأزمات العالمية في كثير من الأحيان على تحفيز منظمات الأمن الجماعي، ما أدى إلى تغيير طبيعتها بشكل أساسي. وشهد الناتو، الذي كان في البداية مجرد اتحاد سياسي، تحولاً كبيراً في دوره مع اندلاع الحرب الكورية في الفترة 1950-1953.
وقد قوبلت جهود حلف الناتو لإحلال السلام والأمن، أولاً في كوسوفو عام 1999 ثم في أفغانستان على مدى عقدين من الزمن تحت رعاية الأمم المتحدة، بالجدل والنتائج المختلطة.
قبل عام 2014، كان الناتو يتصارع مع هدفه ويكافح من أجل تنشيط دوره في الأمن الأوروبي.
وكان ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، والذي أعقبه الصراع الروسي الأوكراني الذي بدأ في شباط 2022، سبباً في دفع حلف شمال الأطلسي إلى الخضوع لتحولات جوهرية، فقد فرضت الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا ضغوطاً مالية كبيرة على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.
الولايات المتحدة، وهي حالياً أكبر مساهم في الناتو حيث تمثل أكثر من 65% من إجمالي إنفاق المنظمة في عام 2023 وقدمت أكثر من 75 مليار دولار لأوكرانيا منذ بدء الحرب، تجد نفسها في حالة عدم تناسق هيكلي مقارنة بأعضاء المعاهدة الأوروبية الآخرين.
وبالتالي، كان أحد الأهداف الأساسية لقمة فيلنيوس لحلف شمال الأطلسي التي عقدت في تموز 2023 هو التزام الدول الأعضاء بإنفاق ما لا يقل عن 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع سنوياً.
ويهدف هذا الالتزام إلى الانتقال من النموذج الحالي غير المتماثل لتقاسم الأعباء، ورغم إحراز بعض التقدم في هذا الصدد، فإن التحديات لا تزال قائمة.
يواجه حلف شمال الأطلسي تحديات هائلة تشمل المجالات السياسية والمالية والأمنية.
وعلى الصعيد السياسي، يواجه حلف شمال الأطلسي وأوروبا حالة من عدم اليقين مع الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل.
وإن اقتراحات دونالد ترامب بأنه قادر على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا بسرعة وتحذيراته من أنه إذا لم يزيد الأعضاء الأوروبيون في الناتو مساهماتهم، فإنه قد يشجع روسيا على التصرف كما يحلو لها فيما يتعلق بالناتو، تلقي بظلال من الشك على التضامن عبر الأطلسي.
وهذا الموقف لا يعرض للخطر المكاسب التي حققتها إدارة جو بايدن في الوقوف بحزم خلف أوكرانيا سياسياً ومالياً وعسكرياً فحسب، بل يهدد أيضاً بتعطيل الوحدة عبر الأطلسي.
لقد حافظ الناتو على تحالف أمني جماعي واسع النطاق ومتنوع، حيث تكوّن التحالف من 12 عضواً، ثم توسع منذ ذلك الحين إلى 32 عضواً، وكانت أحدث الإضافات إليه هي فنلندا والسويد. ومع ذلك، فإن التوسع وحده قد لا يكون بمثابة المقياس الوحيد لفعالية المنظمة مع مرور الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه حلف شمال الأطلسي تحديات في التكيف مع التهديدات الجديدة التي تفرضها التقنيات الناشئة والابتكارات وتطبيقاتها. وبينما يتطلع حلف شمال الأطلسي نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ في العقد المقبل، فمن المحتم أن تمتد طبيعة التهديدات إلى ما هو أبعد من منطقة مسؤوليته التقليدية.
لذلك فإن قدرة حلف شمال الأطلسي على التطور والتكيف في هذه المجالات هي التي ستحدد ما إذا كان التحالف الغربي قادراً بشكل فعال على الحفاظ على ميزة تنافسية ضد الصين وغيرها من الخصوم في أجزاء مختلفة من العالم.
المصدر – مؤسسة أبحاث أوبزيرفر