الثورة- حسين صقر:
لا شيء في هذه الدنيا يعيش لذاته، فالشجرة لا تأكل ثمارها والشمس لا تضيء لنفسها، والنهر لا يجري لإرواء نفسه، وكل شيء ينقص بالقسمة ، إلا السعادة تزيد عند اقتسامها مع الآخرين، وما إلى هنالك من الأقوال والحكم المأثورة التي تزرع الخير في الرؤوس وترسخ القيم والمبادئ الإنسانية.
من منا لم يمر بظرف حرج وقاس، ومن منا لم يواجه المرض أو الكوارث، فكل إنسان معرّض لأن يكون في موقف ما محرج، يجد نفسه بحاجة لوقوف الآخرين بجانبه، فيد واحدة لا تصفق، والعز بالرفاق حتى لو كان بالموت.
“اللمات” كما يسمونها في العامية، أو جمع التبرعات لزميل أو جار أو قريب أو صديق، أو مهما كان بعيداً، هي إحدى أنواع المواقف الإيجابية التي يعبر فيها الناس عن وقوفهم إلى جانب بعضهم، وذلك بهدف تخفيف الألم والأعباء المادية التي تترتب على هذا الشخص أو ذاك، نتيجة مرض أو كارثة طبيعية ألمت به أو حادث معين بغض النظر عن طبيعة المشكلة.
الناس للناس فعلاً، ولا أحد بعيد عن أن يصاب أو يقع في موقف حرج يكون خلاله بحاجة لمن يدعمه ويسانده، ويخفف عنه أحماله الثقيلة، سواء بتكاليف مستشفى أو دفع ثمن الأدوية أو ترميم منزل، كما لا تقتصر المساعدات على المرض والكوارث، بينما تمتد إلى الأفراح، فكثير من الناس يقدمون المساعدات أثناء الأفراح، وربما السفر وتجهيز مكان ما لإيجاد فرصة عمل ليكتفي هذا الشخص أو ذاك شر الحاجة، أو المساهمة بتعليم طالب لم يستطع أهله تقديم النفقات ولو كان ذلك في بداية المرحلة.
وتروي “س. ه” قصتها عندما أصيبت بمرض عضال، وكيف نهض زملاؤها وقفة شخص واحد مندفعين لجمع مبلغ لا بأس به من المال وتقديمه لها، وكانت ممتنة لهم، حيث جاء هذا المال بوقته ليؤدي غرضاً مهماً كنفقات لبعض الأدوية.
وقال “أ. ج” لم يتوان زملاؤه عن القيام بجمع التبرعات عندما سمعوا أن زميلاً لهم احترق منزله بماس كهربائي، وهبوا من كل فج للقيام بمساعدته، وتقديم المال والأثاث له كل حسب استطاعته، وبعضهم ليس ما يزيد عن حاجته وحسب، بل رغم حاجته لهذا الفراش أو اللحاف.
ويروي “ح. م” الذي اضطر لإجراء عملية قلب لابنه كيف قام أقاربه وذويه وجيرانه لمساعدته، حيث جمعوا مبلغاً لا بأس به لمساندته، وبالفعل خفف ذلك عنه ليس مادياً وحسب، بل معنوياً أيضاً، وكان ذلك بمثابة بلسماً لجراحه.
والمساعدات لا تتوقف على الزملاء والأصدقاء والخلان، ولكن هناك من يسمع من بعيد ويبادر بنفسه لتقديم العون دون أن يطلب منه أحد ذلك، بل ويقوم بنفسه بفتح باب التبرعات والحديث عن الموضوع حتى يبادر أهل الخير لدفع ما تيسر، عملاً بمبدأ”كلنا قد يكون مكان ذلك الشخص”.
بالنتيجة نرى الأعمال الخيرية تنعكس على أصحابها، وكل الأمور تسير بخط مستقيم ما خلا تلك الأعمال، مسارها دائري، تبدأ من عندنا وتعود إلينا.
التالي