في حديثنا المتقطع، ونحن نستقل حافلة خاصة كبيرة ، تبدلت المواقف وتعددت الأحاديث لتحط بنا الرحال في ديار الصحافه والصحفيين ويحتد النقاش بشأن الإعلام وصانعيه باعتبار أن تلك المهنة واضحة ظاهرة، يرى الجميع تفاصيلها، وفوق ذلك يستطيع الجميع أن يفتي بها ويقدم الدراسات الطويلة والتحليلات العميقة ويصدر التقييمات القطعية بشأنها، وبشأن كل عمل بها.
ثمة شخص يعتقد جازماً أن كل ما يقدمه الإعلام وما ينطق به الإعلاميون وما يكتبه الصحفيون يأتي ويصدر من جهة عليا، قد تكون أمنية تطلب إليهم تقديم موادهم الإعلامية المطلوبة، حتى إبداعاتهم يتم فحصها ومراقبتها قبل إصدار الموافقة على نشرها أو بثها !! وذلك ضرب من عناد ينطبق عليه المثل القائل: عنزة وإن طارت!!
وآخر يرى أن الرقيب يقيم شبكة واسعة من الرقابة في الأقسام والدوائر يشرف على إنتاج المادة الإعلامية بالطريقة مسبقة الصنع في عالم عاجي لا يمت للواقع بصلة، فيما يرى العارفون أن مهمة الصحافة والإعلام تمثل رسالة يحملها مؤمنون بقيمة الكلمة والصورة وطهر مكانتها وسمو دورها وعلو شأنها وحصافة ونزاهة العاملين فيها، ممن نذروا أنفسهم لخدمة مجتمعاتهم عبر طريق الحقيقة وإظهار إبداعاتهم في تناول قضايا ومشكلات مجتمعاتهم بكثير من الدقة، والسعي لاجتراح الحلول وصياغة أساليب الخلاص، وهنا بدأت الخلافات تشتد وتعلو أصوات المتحاورين في الحديث عن العاملين في بلاط صاحبة الجلالة وإن كان جميعهم يستحق هذا المجد الذاتي ؟!
وتبدأ الاعترافات تتوالى وتنهال الاتهامات وتتسع دائرة الخوض في الشخصي والذاتي ووضع الأسماء على طاولة التشريح الدقيق، فهل كان العاملون في مهنة المتاعب المقدسة على مستوى المسؤولية بما يتناسب مع سمو مكانة الإعلام وعظيم دوره في الارتقاء بواقع الناس، وتقديم الرواية الصادقة، من خلال الكلمة المثقفة والصوت النظيف ؟
الاعتراف بواقع الحال يفرض علينا مواجهة الواقع وعرض الحقائق والوقائع بعيداً عن التوصيف المثالي والشكلاني، فهذه المهنة تسلل لها متطفلون وطارئون عليها كونها مهنة سهلة الامتطاء من حيث الشكل، ويخيل للبعض أن الكلمة أمر سهل التناول ، فتسللوا إليها ظناً وتوهماً أنهم قادرون على تحقيق مكاسب كبيرة من باب الشهرة الكاذبة، فجلسوا مجالس لا تناسبهم ولا تليق بطهر الكلمة وصدق الرواية، وهم بذلك لا يخفون أنفسهم، فالكل يعرفهم ويشير إليهم بالبنان، وهم يتساقطون عند أول زخة مطر ، وعند أبسط اختبار.
ليبقى حديث الإعلام يحتل المكانة الأوسع في حياة البشر، يتجاذب تقييمه العارفون بمواجهة الجاهلين، دون أن تنتهي القصة!!!