لعل التاريخ لم يعرف يوماً أفراداً استُغلوا في أسعار العقارات وإيجاراتها كما حصل عندنا على مدى 12 عاماً من الحرب، فأسعارها كاوية شراء او ايجاراً ولا ضابط لها ولا قيوداً، ولا مراقبة ولا متابعة ولا جودة ولربما لا ضريبة حقيقية على ما يُجنى منها من ارباح.
القضية ان اسعار العقارات وإيجاراتها متفلتة تماماً بسوق مفتوح دون حسيب او رقيب، يمكن لأي كان استغلال أي كان، ويمكن لأي كان الاحتيال على أي كان دون أن يخشى أحد صوتاً يرتفع في وجهه ليقول له هذا لا يجوز أو هذا مخالف للقانون، فمن يمتلك غرفة ولو في منطقة عشوائيات قادر على ان يجعل منها مصدراً لدخل يؤمن له حياه مرفهة، وحتى لا نغرق في الأمثلة والتفاصيل يمكن القول وببساطة شديدة: خلال اكثر من 12 عاماً من الحرب العدوانية التي فرضت على البلاد كان أصحاب العقارات بيعاً أو إيجاراً أبطالاً في خلق ثروات ومصادر دخل مرتفعة جداً، والبدايات كانت مع موجات النزوح الداخلي من محافظة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى والضغط الشديد في الطلب على المساكن، حيث كان مستأجر مثلاً أو شارٍ يزاود على نظيره حتى يحصل على العقار، وهنا كانت البداية عندما استشعر ادأصحاب العقارات لذة المال، فارتفعت الأسعار دفعة واحدة مؤسِّسَة ارضية صلبة لا يمكن النزول الى ما دونها، ومن هنا انطلقوا وبدأت الأسعار الخيالية بالوجود وبدأنا نسمع بها كأمر واقع.
كل ذلك كان يجري تحت إشراف فئة واحدة يمكن تسميتها بالعامية “محراك النار” وهي المكاتب العقارية والسماسرة الذين يمتهنون هذه المهنة كأمر واقع حتى دون مكتب، ولكن سكان كل منطقة يعرفون تماماً من الفاعل فيها ومن لديه قاعدة البيانات العقارية، وهؤلاء بدؤوا لضمان الحصول على مورد ثابت وعال من المال، بدؤوا بالمزاودة على المستأجرين والشارين أنفسهم، فاجّر بيتك اليوم، وبعد ستة أشهر يحضر إليك المكتب العقاري ليقول لك لقد اصبحت مغبوناً والأسعار ارتفعت ربما بمقدار 50%، وهذا الأمر يبدأ صاحب العقار نفسه بنشره على أنه حقيقة، فتبدأ الأسعار بالارتفاع مجدداً والويل ثم الويل لكل مستأجر لا يملك المال ولا يملك البديل.
هل يعقل أن لا نكون قادرين على ضبط عملية تأجير بيت أو ضبط بضعة مكاتب عقارية تؤجج السوق..!!
و ما العبرة والفائدة المجنية من ان يكون البيت المعروض محل عملية سرية إلا إخفاء شيء ما، فالإعلان يكون على الانترنت مع رقم للتواصل، فتتصل بالرقم لتكتشف أنه رقم مخصص للواتساب، فترسل للواتساب فيرسل إليك رقماً آخر، ترسل للآخر فيرسل إليك رقماً ثالثاً ولا يفوز إلا طويل العمر فما الذي يجري؟
ما يجري أن هذا الأمر أصبح واقعاً مُعاشاً، والتأجيج السعري ما زال موجوداً ومن نزح ولم تُعمَّر او تُاهَّل منطقته ويعود او يُعاد اليها بقي حيث هو، وبالتالي الضغط ما زال قائماً على سوق العقارات طلباً، والمشكلة غير مطروحة وبالتالي الحل على الله، أو يمكن وضع ضوابط تحدد الحد الأعلى والأدنى لكل عقار على غرار القيمة الرائجة التي تقوم المالية باصدارها لكل عقار، وبذلك يكون نحو نصف الظلم الواقع الى المواطن عقارياً قد انتفى، إلى حين إيجاد الحل المتكامل.