الثورة – رشا سلوم:
لا يعرف معنى جمال الشعر والحب والغزل من لم يقرأ الشاعر سليمان السلمان- صاحب المجموعات الشعرية التي تتغنى بالحياة وتعطيها الألق الذي يجب أن يكون.
نورس سوري ولد في فلسطين لكنه سوري الجذور عربي الهوى والانتماء.. في مسيرته الشعرية الكثير من الأعمال الإبداعية التي تنوعت مواضيعها لكن لحن الحياة ظل الأساس.
منذ فترة وجيزة صدر له عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق مجموعة شعرية حملت عنوان: “خذني بومض القلب”… قدم لها هو ببيان نقدي جميل يشرح فيه مفهومه للشعر.. فالشعر عنده (ينبوع ثر ينبع من صخرة القلب اللينة التي لا تتوقف عن النبض ومن دائرة الروح التي لا تتوقف عن التفكير.. الشعر منارة تأخذ العقل على بساط سحري إلى مرافئ النجوم تارة ليسرح الخيال.
وتارة إلى موانئ الأرض في ممر الخير لينزل في السديم الساهي على ضجيج الحياة.
أما الواقع فهو مقتل الشعر، وخصوصاً حين لا ينزل إلى الساحات والملاجئ والأكواخ.. فهم لا يرون الغيمة في فضائها كيف يتساقط منها المطر مملوءا بالخير.
والشعر هو النوء المبشر بالمواسم، والمثمر في حدائق الحياة، فكراً وعملاً، الماطر بأحلام ثمار الأمل.
من المجموعة نقتطف:
لمي نجوم الليل
لمي نجوم الليل وانتظري
كي تعبري
بوابة التاريخ في اثري
أنت البلاد…. وكل روض مزهر
أنت الحقيقة في براءة وجهها
نفرت ليعلو الحق
في صبح نقي مبهر
…………………
نوارة الأحلام
أنت الياسمين على السياج الأخضر
أنت المقام مع السلام…… فأثمري
ورداً ونارنجاً……. وبهجة فرحة
تزهو بخد أحمر
أنت الحكايا والمرايا والصبايا
والصبابات التي لم تذكر
أنت المآل مع الخيال
وفيك أحلام الليالي
نبكي ونضحك للجمال مع الجمال
نخاف من جسد
على هذا البهاء المسكر
لون السماء…. يحميك من حسد العدو المنكر
يا شامنا….
لمي النجوم
وفي حدائقها اسهري.
وحسب ما يرى النقاد في قراءات شعره فإن (للحزن مكاناً واسعاً في قصائد السلمان على حساب العاطفة التي تعتبر من أهم أسس الشعر التركيبية فجاءت القصائد محكومة بالرموز والأفكار ومسكونة بالموسيقا الجافة بعد أن حاول الشاعر الحفاظ على مستوى نصه الفني مستبدلا العاطفة بالدلالات التي استخدمها للوصول إلى هدفه الإنساني..
يقول “في أرق الكلمات”..
حلما كنت هناك
قرب رصيف يمتد إلى…
ونظرت نجوما زرقا حمرا
وتوهجت من القهر
يسقط الشاعر أساطير الماضي على نصوصه الشعرية ليستكشف مدى الكارثة الإنسانية التي نعيشها معتبرا أن الحاضر لا يختلف كثيرا عن الماضي فهو مولود منه وأن ما يفعله الإنسان اليوم لا يختلف عما كان يدور في قرية سدوم التي اتصف أهلها بالظلم منذ آلاف السنين يقول في نصه “ماض بلا ماض”..
مالي على الولع القديم سوى روءى
شامية طورا وطورا من سدوم
فتوى دم ملعونة
ونقيق أغنية تثير الملح
في عنقود دالية الكروم
وتظهر دمشق في نصوص الشاعر بجمال أخاذ موشى بالصور ومعتق بالأصالة عبر ما استعاره السلمان من الكون والطبيعة وفق نغمة موسيقية أتى بها لمصلحة الموضوع مقيدا نصه الشعري بالراء الساكنة ليقف على حدود حبه الكبير الذي خص بها الفيحاء.. يقول في قصيدة “دمشق الكون”..
يقف الفجر على حافات العتمة
يلثم شمسا ويسوق نهار
مشرعة أبواب دمشق… وراكضة نحوي …
أعرف مجد الدنيا يهزأ بالأسوار
أما رؤيته للإنسان فهي أن الإنسان عندما يطغى عليه الحزن لا يمكن أن تخفف منه فرحة عابرة أو محاولة لتصحيح مسار ما حصل فثمة جراح لا يمكن أن تبرأ بعد أن تصل إلى وجع كبير… يقول في قصيدة “قف قف”..
قف قف عن السؤال
واخنق الجواب
فدمع المحزون لا يطفئها الشراب
وصدرك الكتاب … احفظ به ما شئت واحذر أسطر السراب
ويمزج الشاعر عوامل الطبيعة بنزعته الإنسانية ليشكل رؤيا يعالج من خلالها الأم الغربة والريح التي استعارها ليدل بها على من قام بظلمه وأنه السبب بكل ما صادفه من إشكاليات الحياة يقول في قصيدة… “هذه الريح العنيدة”..
هذه الريح العنيدة ضيعتني
حين ألقتني بأحضان الضباب
تركتني في شغاف الليل أشتاق لظلي.. في انتظار الصبح .. في حلم الغياب.
ويحاول السلمان أن يجمع بين الشعر وتطلعاته الإنسانية متسائلا عن الأسباب التي غيرت الحياة ليصل إلى الأزمة التي يعيشها الإنسان السوري بسبب الجرائم والمؤامرات التي يحيكها الغرب وينفذها المجرمون… يقول في قصيدة “حيرة الأسئلة”..
لماذا يصير الجواب سؤالا… وتبقى على حيرة… كمرايا مقعرة بالجراح.. لماذا الكلام عذاب الجراح… لماذا الكلام عذاب الشفاه… سماء الحديد لهم… وسماء التراب لنا… وفسفورهم أنجم النار… في برقه لحم أجسادنا.)
بطاقة ..
ولد الشاعر السلمان السلمان في فلسطين وعاد إلى وطنه سورية بعد النكبة.
حاصل على إجازة جامعية في اللغة العربية من جامعة دمشق سنة 1969
هو عضو اتحاد الكتاب العرب- جمعية الشعر.
له أكثر من عشرة دواوين منها: «جزر النار» -«أعلم أني أحترق» -«نزف على حروف الصمت» -«جراح المسرات» -«في أرق الكلمات» -«حين اتكأت على دمي» -«أطلق تراب الروح -حنان الخزامى».
شارك في العديد من الأمسيات والمهرجانات ويمتاز شعره بالنزعة الوطنية والاجتماعية الإنسانية.
شاعر من حوران، عرف بموهبته المتأصلة، وثقافته المتنوعة، اتخذ من الشعر جسراً للعبور إلى قلوب القراء، معبراً من خلاله عن هموم هذا الوطن، والإنسان، لم تتخل قصيدته عن الموسيقا العذبة الَّتي تنساب بين بحور الشعر رقراقة.
وعن تجربته يقول: أنا أحد الشعراء الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن حق الفقراء في الحياة، والتعبير عن إنسانية الإنسان، في زمنٍ يستهلك فيه كل موقف وطني شريف، في دنيا تحاول أن تسيطر فيها الإمبريالية على مقدرات الشعوب، فتترك صدىً موجعاً على أبناء طبقتي الفقيرة، في العالم العربي، وأنا المناضل والمدافع عن الحق الفلسطيني أيضاً، فأنا شاعرٌ سوري ولدت في مدينة يافا، ثم عدت إلى قريتي خبب في حوران.. وأنا الآن عضو مجلس اتحاد الكتاب العرب في سورية، لي ما يقارب ثلاثة عشر ديواناً منشوراً، وفي جعبتي، أكثر من خمسين ديواناً مخطوطاً تنتظر طريقها للنشر.