الثورة – رفاه الدروبي:
بعيداً عن السياسية وقريباً من حديث البوح ذي الشجن نظَّمت أكاديمية دار الثقافة ندوة حول: “سيرة المكان.. الفضاء والذاكرة والمعنى”، بحضور نخبة من قادة الرأي والمثقفين والباحثين والكتَّاب في ثقافي أبو رمانة.
الكاتب الفلسطيني علي بدوان قدَّم ورقةً عنوانها: “النكبة.. نوستالوجيا الزمان والمكان” أكَّد فيها على أنَّ الماضي والراهن الوطني مازال حيَّاً ينبض كون الفلسطيني استوحاه من الذاكرة الشفوية لأجيال عاشت في رحم المكان عبر سنوات طويلة، مُبيِّناً أنَّها نوستالوجيا تعتمد على المشاعر والحالة الفيزيولوجية للجسم والمكان والحالة السايكولوجية الراسخة في حياة الفرد داخل المجتمع لأن فلسطين أعطت أبناءها جينة من جيناتها قبل القدوم القسري للجزء الثاني من الوطن السوري.
وعرض الباحث بدوان صور الشتات بعد وقوع النكبة، ما بين فلسطين بأجزائها المعروفة في الداخل، وما بين الشتات المحيط بها، ما جعل الفلسطينيون ينتجون ذواتهم بأشكال مُتعدِّدة من الوجود الاجتماعي والاقتصادي، ولعلَّ المقاومة كانت إحدى آليات إنتاج الفلسطيني لكينونته الفردية والجماعية من أجل المكان سيِّد الموضوع.
ثمَّ تحدَّث عضو اتحاد الكتَّاب والصحفيين الفلسطينيين عن التراجيديا الفلسطينية في حياة أسرته الحيفاوية ورحلة اللجوء إلى دمشق، وتشتُّت العائلة وبقاء صورة الوطن حيَّة في الذاكرة لتعوِّض جزءاً من الشوق والحنين، كما ذكر دور إذاعة دمشق في تواصل ذوي القربى عبر برنامج صوت فلسطين.
وتطرَّق الكاتب لقصة زيارة والدته إلى مدينة حيفا ولقائها بوالدها بعد الاحتلال، مُبرزاً الذاكرة التوثيقية لمأساةٍ حدثت تحت ضغط “القوات البريطانية والعصابات الصهيونية”، والمشاعر المصاحبة لترك المكان حتى أضحى الفلسطيني لاجئاً مُهجَّراً في الشتات والمخيمات.
بدوره المحاضر أبو علي حسن بعث ورقةً قرأها الناقد أحمد هلال تضمَّنت تعريفاً للوطن بقوله: “الوطن ليس قطعة أرض وحدود وتضاريس؛ بل نبض حياة وسرديَّة من المهد إلى اللحد. إنَّه يُعشعش في الوعي يشبه التعلُّم في الصغر كالنقش على الحجر.
من جهته الناقد أحمد هلال أكَّد على أنَّ المكان سيبقى في سرديات الوعي والذاكرة والإبداع، مُعرِّجاً على قريته الزنغرية الواقعة في قضاء مدينة صفد المحتلة عام ١٩٤٨ في منطقة الجليل الأعلى، والمتميزة بإقبال أهلها على العلم والتعلُّم، ومشاركتهم في مسار العمل الوطني قبل وبعد النكبة.
ختام الأمسية كانت مسكاً مع الباحث أحمد أبو السعود فقد رأى أنَّ الذاكرة تعادل الهوية، وأنَّ مقدمات النكبة حدثت ما قبل عام ١٩٤٨، فالفلسطيني يعيشها كلَّ يوم لأنَّ الاحتلال مازال فيها؛ لكنَّ تشبثه بأرضه يعني تمسُّكه بوجوده كإنسان رغم التَّشتُّت والنفي والتهجير، فالمكان صُنع فيه التاريخ والسيطرة عليه يعني احتلال المنطقة بكاملها، لذا لا بدَّ من مقارعة “الاحتلال” بالمقاومة المؤدِّية إلى الحرية لأنَّها حرب وجود وليست حرب حدود.
وأشاد الكاتب بإيمان ووعي الشعب الفلسطيني المُتناقل عبر الأجيال؛ رفضاً للتهويد والاستيطان والاحتلال؛ وإيماناً بالمقاومة واحتضان المناضلين خلال الانتفاضات المتتالية فلا تكاد تخلو أسرة من سجين أو معتقل أو جريح أو شهيد، مُعرِّجاً على قريته “بيت فوريك” الضاربة جذورها قبل الميلاد بألف ومئتي عام ق. م كونها من المناطق الأثرية المهمة والواقعة كمركز لحراسة القوافل التجارية الرابطة ما بين الشرق والغرب، واسمها يعني “بيت فينيق” أي بيت الحراسة، وتضمُّ أراضي زراعية وخيرات كثيرة ما جعلها مطمعاً للاحتلال.