الملحق الثقافي- خالد حاج عثمان:
في البدء كان الكلمة…والكلمة الوحي كانت « اقرأ « نزلت على رسولنا الأعظم( ص) ..فكان القرآن الكريم..وكان» الكتاب « ..
وفي اللغة: الكتاب..والكتابة والكاتب والمكتوب صياغات وتوليدات ومشتقات …للجذر اللغوي» كتب» الفعل الماضي الثلاثي المتعدي…هذه الأسرة الكبيرة ترتبط بأسرة: قرأ..قارىء وقراء مقروء..وقراءة..كفعل ممارسة ومهارة قرائية إنسانية لما سبق وأنجز وهو» الكتاب..»
تتعدد معاني القراءة اصطلاحيًا وثقافيًا…ولايتسع هنا المجال للخوض في غمار تشعباتها..ولننطلق إلى حالها ثقافيًا عبر الأسئلة التي تطرحها صحيفة الثورة عبر ملحقها: وهي:
أي كتاب نحتاجه الآن في سورية ؟
واقع الكتاب حاليًا – هل فقد مكانته ؟
..وكيف نعيد ألقه ؟
ألق هذا» الجليس» الذي لايملّ صحبة قارئه..بل يعاتبه إن أهمله….
*- دور الكتاب- خير جليس ..-المعرفي والعلمي والحيوي والثقافي والاجتماعي…:
يجيبنا الأديب والناقد الطبيب زهير سعود قائلاً:
لا بدّ لنا في البدء من تأكيد الدور الذي لعبه الكتاب ومازال يلعبه على مستوى مران الدماغ وإنتاج مؤهلاته العقلية والمعرفية، فصدق من قال أن العقل عضلة تقوى بالقراءة، ونحن اليوم وفي ظل القفزة النوعية التي أحدثتها التكنولوجيا والثورة الرقمية، نصادف وجهتي نظر بشأن التعامل مع الكتاب الورقي، أولها والأكثر انتشاراً بين جيل الكهولة والأعمار المتقدمة وهي تدعم الكتاب الورقي ولا تجده قد فقد قيمته السابقة في التعاطي القرائي على الإطلاق، بينما ينتشر الرأي الآخر في جيل الحداثة والأعمار الفتية ممن بدأت تظهر على سيمائهم البدنية آثار التعلق بالقراءة الإلكترونية من أثر الحماس الزائد لاندفاعات الأتمتة وإقبالهم عليها، وهو حماس شكل تهديداً حقيقياً لقيمة الكتاب الورقي في التعاطي القرائي، لكن ثمّة العديد من المعطيات الواقعية والاكتشافات الصحية تثبت عودة القيمة المعنوية للكتاب الورقي، على الأخص بعد اكتشاف سلبيات التكنولوجيا وأثرها السيء على القراءة، فمن أهم السلبيات وأولها ما أمكن نعته بضياع التراتبية والخطيّة في القراءة الإلكترونية، للدرجة التي نفقد معها متعة القراءة والقدرة على التعمّق في البنى العميقة للأفكار التي تحملها الكتب، ومن المفيد التذكير بالدور الصحي الذي تمارسه القراءة الورقية بالأفضلية على الإلكترونية من ناحية راحة العين لكونها أقلّ إجهاداً عليها.. وما يثبت القيمة الحاضرة لاستخدام الكتاب الورقي رغم التحدّي هو استمرار الطباعة الورقية في مختلف ميادين الكتابة والحماس الحاضر لشراء الكتب واقتنائها، وإقامة المعارض لها.. وفيما تعلّق بالشق الثاني للسؤال وهو الأول من حيث الترتيب، فمن الطبيعي أن تكون الإجابة ملائمة لاحتياجات المرحلة التاريخية التي تمرّ بها بلدنا سورية، وهي مرحلة التعافي من الآثار السلبية العميقة التي فرضتها سنوات الحرب والحصار الغاشم على سورية لأكثر من عقد من الزمن، إذ تركت هذه المرحلة خدوشاً عميقة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، فيمثل وعي المرحلة ودراسة أسس وأساليب التغلب على الأثر عملاً نضالياً شاقّاً ربما تقدّم على مرحلة المقاومة العسكرية للاعتداءات السافرة التي تعرضت لها البلد، ويأتي دور الكتاب في هذه المرحلة كقيمة تربوية عمرانية في مختلف الجوانب الإبداعية لوظيفة الكتابة في علوم الاقتصاد والسياسة والتحليل النفسي ومختلف أنماط الكتابة الأدبية. إن سورية بحاجة لكتب جديدة تتصدى لمختلف جوانب الحياة تكون رافعة عملاقة للنهوض بالمجتمع، تكون معيناً لخطة الدولة في تجاوز الأزمة والتعافي من أثرها السلبي على المجتمع.
*- المكتبة روضة…
هكذا وصف الشاعر هيثم الضايع الكتاب والمكتبة …وأهميتهما:
إذا كانت المكتبة روضة أدبية فعلينا أن نكون كالنحل المتنقل
من كتاب لكتاب..لجني عسل الحياة ألا وهي الثقافة….
فالكتاب مكون ثقافي هام وعظيم تتناقله الأجيال ويتطور حسبما يتطور التدوين من الطين إلى الفخار إلى الجلود وإلى الورق. وصار حاليا إلكترونيًا في متناول الجميع ابحث تجد…..
وبمقدورنا أن نقول إنّ لكل مرحلة أو حقبة من الزمن تدوينها الهام لتلك المرحلة…..فأول تدوين لحمورابي كان دستورًا وتشريعًا للمجتمع حفظ على رُقم طينية وما زالت الكتب حافظة له حتى اليوم ولولا التدوين هذا لما وصل إلينا شيء مما كانوا يكتبون أو يعتقدون …
وكلنا نذكر الأصفهاني حين حمل كتابه» الأغاني» المكتوب على جلود الحيوانات ونقله على ظهر بعير إلى سيف الدولة بحلب كهدية له لانه كان يُقرب الأدباء والشعراء إليه ويكافئ الكتاّب والشعراء بهدايا مجزية…وهذا يسوق كلامنا إلى الكتاب المعاصر… وما قبله أي قبل ظهور الكتاب الإلكتروني.
إنّ الكتاب لاغنى عنه في أي زمان ومكان لمن يريد أن يبحث عن ثقافته الضائعة.
وعن علومه المفقودة وعن عقله الذي لايمكن أن تتسلسل حلقات ثقافته إلا بالكتاب ولا يمكن لأي باحث كان أو مثقف يريد أن يطور معلوماته إلا أن يبحث في الكتب…..
إن الأولين لهم مدارس في العلوم والفلسفة والطب والفلك وغيرها… من الثقافات المجتمعية.
وما جاء بعدهم طوّرها وعدّلها بحسب نظرية» الثابت والمتحول «لأدونيس وما من مثقف أو أديب أو عالم أو فيلسوف في العالم إلا وبدأ في قراءة كتاب أولاً والأديب العالمي مكسيم غوركي يروي ماحدث له في الباخرة التي كان يعمل بها غسالاً للصحون مع شيف المطعم ميخائيل سموري كانت لديه مكتبة فريدة في كتبها وشجع الصبي مكسيم غوركي للقراءة ففتحت أمامه آفاق واسعة ومن خلال قراءة الكتب حينها قال الصبي مكسيم غوركي. ..»عرفت الطمأنينة الروحية وجعلتني أثق بنفسي وعرفت بأنني لست الوحيد على الأرض ولن أضيع أبدًا…..
..
التحديات التي تواجهها القراءة..
في هذا تحدثت إلينا الشاعرة خديجه شما وقالت:
موضوع هام ماتطرحونه
القراءة سبيل هام للإطلاع والمعرفة.. وللأسف فقد أهملنا تمامًا المطالعة ذات الفائدة والقيمة خاصة في ظروفنا الحالية
إذ أصبحت القراءة متوقفة على ما ينشر في الشاشة الزرقاء- الإنترنت ومنصاته- وقد جعلتنا عبيدًا لها و لا نستطيع مقاومتها لاسيما جيل الشباب وتعلق هذا الأخير بكل ما يحتويه فقد أدار ظهره للحاجة للمعرفة الصحيحة والمفيدة لنواحي الحياة كلها؛ الكتاب طريقنا إلى التقدم والنجاح والازدهار
مثال :كتب تضم معلومات ثقافية
أشعار من جميع أنواع الشعر الحديث القديم الجاهلي
قصص عالمية حدثت وتحدث
كتب تشرح واقعنا وكيف نتجاوز عثراتنا ونعود لمجدنا ولسبقنا جميع الدول
لقد كنا الأوائل في كل المجالات حتى الاختراعات
كل هذا يدل على تهميش كلي للكتاب وخلق جيل يعتمد على اللامسؤولية والتدهور الفكري وعدم الاعتماد على تفكيره العقلي…
ما هو الحل؟
الحل بأيدينا نصنعه بالمثابرة على تثقيف الشباب أولاً بالنوادي العلمية وبيان أهمية الكتاب وفائدته التشجيع على الكتابة التي تمكنهم من الاستمتاع بما يكتبونه بأيديهم : التشجيع المعنوي والمادي كهدايا لكتاب وشعراء عظام اشتهروا بالعلم والمعرفة فنحن
نكتب لنرتقي
نقرأ لنستزيد من المعرفة
والتقدم
نهدف لبناء جيل متفتح محب لوطنه ومجتمعه نراه في مقدمة الدول الراقية ثقافة وعلماً واختراعات ..
واقع الكتاب في سورية …وقضايا أخرى..
الأديبة القاصة والروائية وعضو اتحاد الكتاب العرب ملك حاج عبيد:
سابدأ بواقع الكتاب في سورية
لاشك أن سعر الكتاب الورقي حاليًا قد ساهم في الابتعاد عن شرائه واستعيض عن الشراء بقراءته على النت إن كان متوفراً، وحتى قراءة الكتاب الكترونيًا تراجعت أمام إغراء الفيس بوك وجاذبية موضوعاته وتنوعها وصار إدمان الفيس بوك أبرز أمراض العصر.
في الماضي كنا ننتظر صدور رواية لكاتب نحبه ونضحي بجزء من دخلنا لاقتناء الكتاب لم تكن قنوات التلفزيون وبرامجه تنوعت ولم يكن جنون الرياضة قد اجتاح العالم ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد ظهرت أما أن فقد تراجعت القراءة .
أذكر عندما كانت تصدر رواية جديدة لنجيب محفوظ كنت أحس بفرح حقيقي وكأنني أنا من كتبها وأحس بسعادة غامرة عندما أشتريها ربما كان الكتاب في ذلك الوقت هو وسيلة الثقافة الوحيدة إضافة إلى بعض البرامج التلفزيونية الثي تعنى بالثقافة أما الآن فقد أصبحت الثقافة في آخر قائمة هذه البرامج، أما السبب الأكبر فهو الهموم المعيشية التي أصبحت شغل الناس الشاغل فانصرفوا إلى الابتعاد عن متاعب الفكر إلى ماهو أقرب للترفيه، الرياضة ..المقاهي .. التدخين.
يبقى أهل الثقافة مخلصون للقراءة فالكتاب مازالوا يصدرون الكتب ويقيمون حفلات توقيعها رغم قلة من يحضرها ومازال مدمنو القراءة يلاحقون الكتاب أينما وجد ولكن ماهي نسبتهم إلى الذين لايقرؤون ؟
أما كيف نعيد ألق الكتاب فهذا سؤال صعب فألق الكتاب لاينفصل عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع فهل هذا متحقق على الواقع ؟
يعود ألق الكتاب عندما نرفع المستوى المعيشي للمواطن عندما يتهيأ له الهدوء النفسي فلاتكون لقمة العيش هي شغله الشاغل وعندما تكون فرص العمل مهيأة وقادرة على استيعاب طاقات الشباب وطموحهم ولايكون السفر هاجسهم، عندما يستطيع النتاج الثقافي أن يعبر بحرية عن الناس وعن قضاياهم، عندما ترتكز أمور الثقافة على دعامات حقيقية بعيدًا عن المحسوبية والشللية عندئذ يزدهر الكتاب وعندها يقبل الناس على القراءة، أما مانوع الكتب التي نحتاجها الآن فلا و صفة محددة لها أي كتاب جيد هو رافد للعقل وإضافة للفكر.
– صناعة الكتاب في سورية..
الشاعرة نرجس عمران أدلت بدلوها فقالت:
صنَّاعة الكِتاب في سوريّة عاشتْ واقعًا صعبًا بسبب الحرب وتَبِعاتها من تخّريبٍ و تَدميرٍ، ألحقا ضرَّرًا جمَّا بالبُنى التَّحتيّة عمومًا، بالإضافة إلى انشغال الأكثريّة بالحّالة الرَّاهنة التي تفرضها الحرب فغدَّتْ قضيّة الوُجود ولُقمة العيّش هي الشُّغل الشَّاغل وأصبحت ْنسبةٌ كبيرةٌ من النَّاس تعتبر ُالثَّقافة والكتب من الرَّفاهيات أو لم تعد توليُها اهتماماً كما هو اهتمامها بلقمة العيًّش والمصيّر فطبيعي جدًا أن إنساناً يعيش حالة خطر ٍوقلق ٍ وتهجيرٍ و يحاصره الموت من كلِّ جانب ولا يعرف أبدًا ملامح غدِّه بل هو حتى لا يعرف ملامح يومه، أن ينصرف عن الثَّقافة وينشغل بلقمة العيش والهمّ الرّاهن ؟!
ومما هو طبيعيّ أيضًا أنَّ الثَّقافة والقرِّاءة تحتاج ُإلى فكرٍ متفرغٍ و وقتٍ لإعطاء الثَّقافة بما فيها من الكتابة والطباعة والقراءة حقَّها وأيضا تحتاج إلى اقتصاد جيّدٍ وأمانٍ لمواكبة الفعاليات والمعارض وغيرها.
ورغم كلِّ هذه المَّشقات التي أثَّرت فعلاً على عجلة الثَّقافة عمومًا والكِتاب وتطويره خصوصًا تأثيرًا سلبيًا فلقد كان لها بالمقابل الأثر الإيجابي .. إذ أن صناعة الكتاب تهمُّ الفِئة المُثقفة والتي أدركتْ أن أحد أغراض هذه الحرب هو ترَّاجع الكتاب بل انقراضه لذلك بذلوا الجهود الحثيّثة لإبقائه ناشطًا فعالاً مُشاركًا في المحافل المحليّة والدوليّة.
ولاننكر أن الألم الذي رافق هذه الحرب والمعاناة والتَّهجير قد أنجبت أقلاماً جديدة لأن الكِتابة أسلوب تعبير مريح يلجأ إليه بعض النَّاس للتعبير عن مكنوناتهم وإيصال مواقفهم ..ولذلك نلاحظ بعض الأطباء يطلبون من مرضاهم كتابة أفكارهم أويومياتهم لأن ّ الكتابة أسلوب ناجع في علاج بعض المَشاكل النفسيّة.
ومن هذا وغيره نلاحظ كيف تفاقمت ْظاهرة الكتابة؟! وكَثُرت الأقلام وبالتالي ولدت ْكتب ٌجديدة ٌمن رحم المعاناة.
ولذلك نستطيع القول إن صنَّاعة الكتاب صمدّتْ فانتصرتْ، ولأنَّ الكتاب يلعب دورًا مهمًا في نقل المعرفة والثّقافة.. بمافيها الكتب المدرسيَّة التي تحظى بأهميّة خاصة، ولذلك وخاصة لأنَّنا نتنفس صعداء حرب قاسيّة ٍسياسيّةٍ اقتصاديّة ثقافيّة إعلاميةٍ
فنحن بحاجةٍ إلى كُتب تُقوي انتماء الفَّرد لوطنه سواءً ثقافيّة تروي أمجادنا وعظمة بلادنا وبطولة أجدادنا وسيّاسة الغَّرب تجاهها ومطامعه فيها التي جعلت منها مرمى المطامع، أو كانت دراسيّة منهجيّة لتأسيس جيّل ٍعقائديٍ فخور ٌبانتمائه لبلده.
وأما عن ما تواجهه الثَّقافة و الكتب ودور النَّشر من تحديَّات في السٌوق وما تعانية من عقباتٍ هي نتيحة طبيعية لبلد مرّت عليه سنَواتٌ طوال من الحرب والعُقوبات إلا أنّها ذلك فهي لم تتوقف أبدًا بل استمرتْ في التَّواجد محليَّا وعربيَّا و اعتمد الكَاتب والقَارئ السُّوريان على الدُّور العربيَّة المصريّة واللبنانيّة والعراقيّة وغيرها لطباعة وتوزيع أعمالهم، إثباتاً لوجودهم ودفعًا للحركة الثقافيّة المحليّة، وتوسيع سوقها، متحديًا عقبات التَّزويّر وقرصنَّة الكتب وخاصة المهمة منها والمُؤثرة في المرحلة الرَّاهنة، لذلك يجب الاستمرار في دعم صنَّاعة الكِتاب وتشجيع النَّشر المحلي ّوتوفير البنيَّة التحتيّة المناسبة له لأنَّه أثبت أحقيَّة في الاستمرار فهناك جهود تُبذل من قبل المؤسسات المعنيّة بالثَّقافة السُّوريّة وأيضاً اتحاد الكُّتاب السُّوريين يعمل على تنظيم المعارض وبيع الكتب بأسعار رمزية، وتشجيع الكُتَّاب وطباعة الكتب لهم، والتَّرجمات لأنَّها تشكل قيمَّة مضافة للمكتبة السُّورية.
العدد 1193 – 11 -6-2024