في عالم اليوم المتسارع والمتصل رقمياً، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، والشهرة السريعة التي يمكن تحقيقها عبر تلك الوسائل بعد أن كان الوصول إلى الشهرة حكراً على نخب من متفوقين، ونجوم، فقد أصبح الآن باستطاعة أي شخص لديه موهبة، أو منجز إبداعي أن يرفع اسمه ويصبح (ترند) أي شائعاً بين الجماهير.
ولكن كيف يتم ذلك؟ بل إن خططاً تنصب كالفخاخ ليتم من خلالها الترويج لبضاعة الأدب وأولها الاعتماد على إغراء المحتوى كمفتاح لجذب زبائن المتابعين بنشر ما هو مبتكر وغير تقليدي سواء أكان نصوصاً، أم صوراً، أم مقاطع فيديو.. وهذا ليس غريباً تحت مظلة الدعاية التي فردت أجنحتها فوق كل منتج، حتى ولو كان منجزاً إبداعياً، ودخلت إلى حياتنا – أي الدعاية – من كل نافذة، ومنفذ مهما كان صغيراً. أما المثابرة، والاستمرارية في النشر على تلك المواقع، والصفحات دون كلل، ولا ملل، وبشكل منتظم فإن ذلك يضمن تفاعل المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية. وهناك أيضاً فكرة جيدة تحقق الذيوع والانتشار وهي لا تقل أهمية عن سابقتيها ألا وهي الشراكات التسويقية مع المروّجين.
في عالم الأدب المملوء بالإصدارات المتنوعة، تلعب دعاية الكتب دوراً محورياً في توجيه قرارات القراء. فبعيداً عن محتوى الكتاب، ونوعية الأفكار المطروحة فيه، غالباً ما يتأثر القارئ بالحملات الترويجية، والإعلانات الجذابة التي تدفعه لاقتناء الكتب، فالإعلان لديه سحره الذي يصيب.
كل هذا يمكن أن يحدث ودون وقفة مع الذات يُسأل فيها: هل بضاعتنا هي حقاً على قدرٍ من الجودة، والصلاحية التي تستحق معها هذه الدعاية المجانية، وهي على نقيض الدعاية التقليدية التي تُدفع فيها النقود بينما الأخرى تأتي بالنقود. وسواء أكان المنتج مطابقاً لمواصفاته الفنية الجيدة، أم أنه من الجديد المبتكر الذي يرسي اتجاهاً جديداً في كتابة النص الأدبي فإن اندفاع شريحة من زبائن المعجبين يشجع كثيرين غيرهم نحو كتابٍ بعينه لشرائه، أو لقراءته.. وقد يتطور هذا الأمر ليصبح هوساً جماعياً تترجمه أعداد طالبي الشراء، أو متوسلي تواقيع المؤلفين أمام أبواب دور النشر، أو في معارض الكتب.
وعند هذا الحد تكون الدعاية قد فعلت فعلها.. ومَنْ لا يدرك أثرها، ويسير في مسارها فهو من الخاسرين النادمين الذين لا يجدون لهم حظاً من الشهرة والرواج بينما القطار يتسارع في جريه، وكل يوم تبزغ في سماء الكتابة أسماء جديدة منها ما يلمع، ويشع، ويرتفع ليصبح نجماً حقيقياً بين النجوم، ومنها ما يزاحم بضوءٍ خافتٍ كالنجم المنطفئ.
إن قوة الدعاية في المجال الأدبي لا تقل في تأثيرها عن مجالات أخرى. فالغلاف البراق، والملخص المقنع، والتوصيات المؤثرة، كلها عناصر تسهم في إقناع القراء بشراء الكتب، والغوص في قراءتها. فحتى لو كان الكتاب لا يحمل مواصفاته المطلوبة، أو غير متميز، إلا أن دعايته الناجحة قد تجعله يحظى باهتمام الكثيرين، وليس فقط من القراء بل من مؤسسات، وجهات أدبية وإعلامية تكمل دائرة الدعاية، والترويج.. وقد يقع القارئ في بعض الأحيان ضحية الهيبة التسويقية التي تفرض نفسها عليه، وربما لم تقنعه فقط بالشراء بل بالمضمون أيضاً.
طرق معاصرة جديدة للترويج الإلكتروني والتسويق قد يختلط فيها مفهوم الكم مع الكيف فيؤدي إلى سلبيات منها تهميش الكتب ذات الجودة العالية لأنها قليلة الدعاية.. ففي ظل الازدحام الشديد في ساحة النشر، والكتب، باتت ظاهرة الترويج الإبداعي تحظى باهتمام متزايد في الوسط الأدبي. ولكن هل هذه الظاهرة تعمل على إضافة قيمة للمشهد الأدبي، أم إنها تشكل تحدياً خطيراً يهدد نزاهته، وأصالته؟
ومن ناحية أخرى يمكن النظر إلى الترويج الإبداعي باعتباره تطوراً إيجابياً في صناعة الكتب. فالمؤلفون، والناشرون باتوا يبتكرون طرقاً جذابة، وفريدة لجذب القراء، وتحفيزهم على التفاعل. فمن الغلاف المبتكر إلى الحملات الدعائية المثيرة للاهتمام، هناك جهود حثيثة لإبراز الكتب بطريقة مبدعة، وفعالة. ولكن في الجانب الآخر، ثمة مخاوف من أن يتحول الترويج الإبداعي إلى وسيلة لتسويق كتب رديئة، أو حتى مضللة. ففي بعض الأحيان، قد يتم التركيز على الجوانب الشكلية والمظهرية للكتب على حساب محتواها الحقيقي. وهذا قد يؤدي إلى إلهاء القراء عن الجودة الأدبية والابتكار الفكري، ويحولهم إلى مجرد متابعين لحملات دعائية مغرية.
ورغم ذلك فسيظل تأثير الدعاية على القراء قوياً ما دامت وسائل التسويق والإعلان تتطور وتتنوع.. ولا يمكن إنكار أهمية الدعاية في الواقع الراهن. فالقارئ المعاصر، الذي يواجه فيضاناً من الخيارات الأدبية، يعتمد بشكل كبير على الحملات الترويجية للكتب في توجيه قراراته نحو ما هو صائب، وهنا يتطلب الأمر موقفاً أخلاقياً سواء من الناشر، أو من الكاتب بحيث لا يضلل قارئه، ويتعامل معه بحذر، وموضوعية.
وفي النتيجة فإن التحدي الأساسي هو كيفية الحفاظ على التوازن بين الترويج الإبداعي وصدق المحتوى الأدبي، ودون المساس بنزاهة الأعمال الأدبية، وأصالتها. ويظل الترويج الإبداعي ظاهرة متشعبة لا يمكن الحكم عليها بحكم قاطع. فهي تحمل في طياتها إمكانات إيجابية كبيرة، ولكن في الوقت ذاته تنطوي على مخاطر يجب الحذر منها. والتحدي الأكبر هو صقل هذه الظاهرة، وتوجيهها نحو خدمة الأدب، والقراء على حد سواء.