سوءُ فهمٍ (خبيث) تفاقم، وأصبح سيدَ الموقف بينهما.
حيّرتها تلافيف اللغة، التي تنشأ عمّا يتشاركان من أحاديث وأفكار..
كيف تتلوّى متاهاتها.. وتتلوّن معانيها.. فتذهب بهما إلى غير المطارح التي أراداها..أو أرادتها هي وحدَها.
أصبحتْ تشكُ بالكلمات والمفردات.. بالسياق الذي ولّدها.. وبمجمل لغتها..
مع أنها حذرة في استخدامها وتتقن وضع كلماتها في (قوالبها) المخصّصة لها تماماً..
إذاً.. لمَ يحدث انحراف في المعنى..
وكيف يخرج عن سكته التي يُفترض أن يسير عليها..؟
هل تلاعبنا الكلمات.. فتنسج خيوطاً سحريةلإيقاعنا في شرك تنوّعات مقاصدها..؟
كأن كلّاً منهما يتقصّد شيئاً، فيتحوّل إلى آخر مغاير تماماً.
تستذكر كلمات ميشيل فوكو: (ما قلته هو ليس ما أفكر فيه، بل هو ما لطالما تساءلت إذا كان يمكن ألا أفكر فيه)..
إذاً بين القول والفكر/الفكرة، ثمة مسافة يمكن أن تتصيّد سوء الفهم.
تساءلت مراراً: هل (الكلمات لها أعمالٌ) فعلاً كما قال فيتغنشتاين..؟
ففاعلية كلماتنا يعادل المحصلة صفر أحياناً..
وفي لحظات كثيرة، تبدو كلماتنا.. لغتنا.. أشبه بأرض ملغومة مفخّخة بالكثير من ألغاز المعاني.. وهو ما تشعر به حين يتواصلان، ما يدفعها للتساؤل عن سرّ الفخ (اللغوي) الذي نُلقي أنفسنا ضمنه في مغامرات علاقاتنا مع الآخر..
هل تساعد (اللغة) في تحقيق نوعٍ من الانزياح في مسار علاقاتنا.. صعوداً أوهبوطاً..؟
ولطالما كانت اللغة(كأداة تواصل، محكومة بالنقص) ومفتوحة على (سوء الفهم)) ربما أوصلت تلك الانزياحاتِ إلى تفاقم سوء الفهم.. ما يعني زيادة فجوة اللغة بين (الطرفين) المتواصلين.
كيف يمكن ردم تلك الفجوة.. وتحاشي سوء الفهم.. وطمس أي نقص..؟
وكلّها تؤدي إلى اتساع رقعة الاختلافات.. لكن هل نحتاج فعلاً إلى كل ذاك الجهد في التواصل..؟
كلماتها.. دائماً ما تسحبها إلى أرضٍ لم تتوقعها..
وكأنها في رحلة اكتشاف مجاهل وأغوار ذاتها كما ذات الآخر..
حقيقة تلمّستها، مهما شعرتْ بأن اللغة (خرساء).. أو ضائعة.. تزيد من توهان ذويها.. أو طرفي التواصل عبرها.
اللغة خرساء.. حين لا تزوّدنا بما نبتغيه من المعاني.. وحين لا يرتد صدى كلماتنا واقعاً كما نشتهي..
كأنها تلاعبنا لعبة السعي الدائم لاستكمال (نقصها).. والجري المستمر لاستكشاف باب الاحتمالات الواسعة الناتجة عن سوء الفهم الكامن فيها.