يمر في حياة الصحفيين شخصيات تترك آثارها سنوات لا ترتبط بتواجدهم في المؤسسة الصحفية أو مغادرتها نقلاً أو تقاعداً أو وفاة، فيبقى ذكرهم حياً لما قدموا من خدمات وما اتخذوا من مواقف تركت منعكسات إيجابية لزملائهم الصحفيين أو مدت يد العون لبعضهم في الأزمات والملمات، ولعل اسم الراحل فؤاد البلاط من أكثر الأسماء تردداً في ممرات التلفزيون ومكاتب المؤسسات الإعلامية حتى بعد وفاته، وهو يرحل هادئاً صامتاً بعدما ملأ الحياة صخباً وضجيجاً وعملاً مفيداً لم ينته.
ويترك أصحابه وأحبابه وحتى خصومه دون وداع حقيقي.
بعد أكثر من خمسة عقود من العمل، أقعده المرض في منزله ليتخذ من هاتفه النقال وسيلة للتواصل مع أصدقائه وزملائه وتلامذته، فقد كان يتقن فن التواصل ولا يقطع حبل ود مع أي شخص مر بمكتبه ذات يوم.
لأبي عمر فؤاد العبد المجيد البلاط صفات لا يجاريه فيها إلا العظماء من القادة والفلاسفة والعلماء، وهو يكاد يعرف السوريين شخصياً، ويعرف أعمارهم ودراساتهم وأعمالهم وأوضاعهم الاجتماعية وعلاقات القربى والمصاهرة ومحطات التواجد وحتى العلاقات الغرامية للكثيرين.
الخير في سلوكه صفة متأصلة والقيادة لديه انتماء وولاء وصدق ووضوح.
لم يكن مجرد مدير عام ناجح فقط، لكنه كان وبقي الإنسان الحاضر في وجدان كل من عرفه.
رحل من أجاب أعضاء مجلس الشعب يوماً: كونوا كمجلس العموم البريطاني ليكون التلفزيون السوري مثل بي بي سي، فصمتوا.
رحل المفتش عن المحتاجين والمغمورين والمقهورين في زوايا المؤسسات الإعلامية ليعطيهم حقوقهم.
رحل من كان يقيم الصحفيين وفق قدراتهم ويستعين ببعضهم معترفاً لهم بالفضل في المعرفة وإن كان يفوقهم بالكثير.
رحل صديق الصحفيين والفنيين والإداريين والسائقين وكل العاملين في الإعلام والثقافة وغيرهما.
رحل صديق جميع السوريين ومحب الجميع.
أما الجميع فقد قصر بحق أبي عمر وتركه يموت وحيداً، إلا من ذكريات عطاء لا تتوقف عن استرجاع حالتها وما تركته من مشاعر صدق وعرفان بالجميل.